وابن أبي من أكثر الفاسقين فسقا! إذ جمع بين الكذب والحلف الكاذب والنفاق والشقاق والعداء والكبر والكفر الباطنى وذكر تعالى قولات هذا المنافق واحدة بعد واحدة فقال (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ : لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) أي قال لإخوانه لا تنفقوا على المهاجرين حتى يتفرقوا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقرعه رب العزة وأدبه ببيان فساد ذوقه ورأيه فقال تعالى : (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ (١) وَالْأَرْضِ) فجميع الأرزاق بيده وهو الذي يرزق من يشاء والمنافق نفسه رزقه على الله فكيف يدعى انه إذا لم ينفق على من عند رسول الله يجوعون فيتفرقون يطلبون الرزق بعيدا عن محمد صلىاللهعليهوسلم. (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ) لعماهم وظلمة نفوسهم ومرض قلوبهم (لا يَفْقَهُونَ) هذا ولا يفهمونه ، ولذا قال رئيسهم كلمته الخبيثة. تلك كانت القولة الأولى. والثانية هي قوله (لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ). قالها في غزوة بني المصطلق وهي غزوة سببها أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أعلم أن بني المصطلق يجتمعون لحربه وقائدهم الحارث بن أبي ضرار وهو أبو جويريه زوج رسول الله صلىاللهعليهوسلم إحدى أمهات المؤمنين. فلما سمع بذلك خرج إليهم حتى لقبهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل فوقع القتال فهزم الله بنى المصطلق وأمكن رسوله من أبنائهم ونسائهم وأموالهم وأفاءها على المؤمنين ، واصطفى رسول الله صلىاللهعليهوسلم لنفسه جويرية بوصفها بنت سيد القوم إكراما لها ثم عتقها وتزوجها فرأى المؤمنون أن ما بأيديهم من السبي لا ينبغى لهم وقد أصبحوا أصهار نبيهم فعتقوا كل ما بأيديهم فقالت عائشة رضى الله عنها ما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها من جوبرية بنت الحارث فقد أعتق بتزويج رسول الله لها مائة أهل بيت من بنى المصطلق.
في هذه الغزاة قال ابن أبي قولته الخبيثة وذلك أن رجلين (٢) انصاريا ومهاجرا تلاحيا على الماء (٣) (٤) فكسع المهاجر الانصارى برجله فصاح ابن أبي قائلا عليكم صاحبكم ، ثم قال : والله ما مثلنا ومحمد إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك ، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل وغاب عن ذهن هذا المنافق أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين أي الغلبة والظهور والعلو لا للمنافقين والمشركين الكافرين ولكن المنافقين لا يعلمون ذلك ولا غيره لعمى بصائرهم ولما
__________________
(١) (الخزائن) جمع خزانة وهي البيت الذي يخزن فيه الطعام. روى الترمذي أن عمر رضي الله عنه قال للرسول صلىاللهعليهوسلم إشفاقا عليه ورحمة به : ما كلّفك الله يا رسول الله ما لا تقدر عليه ، عند ما قال لرجل سأله عطاء ابتع علي فإذا جاء شيء قضيته فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا فتبسم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعرف في وجهه البشر وقال : بهذا أمرت).
(٢) تقدم ذكر اسميهما وهما : جهجاه ، وسنان.
(٣) تقدم أن هذا الماء كان بالمشللّ.
(٤) كسعه : ضربه في دبره.