وإنّها قد كانت كذلك ، ولكنّ الله وقى شرّها ، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر ، من بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الّذي بايعه تغرّة أن يقتلا(٤).
آراء أتباع مدرسة الخلفاء :
قال أقضى القضاة الماوردي (ت : ٤٥٠ ه) في الأحكام السلطانية (٥) والإمام علامة الزمان القاضي أبو يعلى (ت : ٤٥٨ ه) في الأحكام السلطانية (٦) ، كلاهما ، قالا في كتابيهما :
الإمامة تنعقد من وجهين : أحدهما باختيار أهل الحلّ والعقد ، والثاني بعهد الإمام من قبل.
فأمّا انعقادها باختيار أهل الحلّ والعقد ، فقد اختلف العلماء في عدد من تنعقد به الإمامة منهم على مذاهب شتّى ، فقالت طائفة :
__________________
ـ أبي بكر. روى عنه أصحاب الصحاح ٥٣٧ حديثا. ترجمته في الاستيعاب وأسد الغابة وجوامع السيرة ص : ٢٧٦.
(٤) البخاري ، كتاب الحدود ، باب رجم الحبلى ٤ / ١٢٠. و (التّغرّة) : مصدر غررته : إذا ألقيته في الغرر وهي من التغرير ، كالتعلة من التعليل ، والمقصود أن الّذي يبايع آخر دون مشورة من المسلمين ، فإنّهما قد غررا بالمسلمين وجزاء المبايع والمبايع له أن يقتلا. (راجع معاجم اللغة).
(٥) الأحكام السلطانية لأبي الحسن عليّ بن محمد البصريّ البغدادي ، ط. الثانية سنة ١٣٥٦ ه ، ص ٧ ـ ١١. والماوردي نسبة إلى (بيع ماء الورد) كان من وجوه فقهاء الشافعية ، له مصنّفات كثيرة.
(٦) الأحكام السلطانية للشيخ أبي يعلى محمد بن الحسن الفراء الحنبلي ط. الأولى بمصر سنة ١٣٥٦ ه ، ص : ٧ ـ ١١.
وإنما اعتمدنا عليهما أكثر من غيرهما من كتب مدرسة الخلفاء ، لأنّ هذا النوع من الكتب مثل كتاب الخراج لأبي يوسف ، إنّما ألّف لتدوين الأحكام الّتي تخصّ شئون الحكم على رأي مدرسة الخلفاء ومن أجل العمل به ، خلافا للكتب الّتي دوّنت في مقام المناظرة وليس للعمل بها. وكلّ ما نورده في ما يلي من كلا الكتابين وما انفرد به أحدهما ذكرنا ذلك في الهامش.