التفسير الأوّل قوله تعالى في سوره (ص) :
(يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ ...) (٢٦).
فإنّه لو كان معنى الآية الأولى : إنّ الله جعل نوع الإنسان خليفته في الأرض فلا معنى عندئذ لتخصيص داود (ع) بجعله خليفة الله في الأرض من بين نوعه الإنساني الذي كان الله قد جعله خليفته في الأرض قبل داود (ع) ومع داود (ع) وبعده ، ثمّ انّ فاء السببية (٢٢) في قوله تعالى : (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ) تدلّ على أن تخويل داود (ع) حقّ الحكم بين الناس كان بسبب جعله خليفة لله في الأرض ، أي انّه بسبب أنّ الله تعالى جعله خليفة في الأرض منحه حقّ الحكم بين الناس. إذا فإنّ منحه حقّ الحكم فرع على تعيينه خليفة لله في الأرض. وبناء على ذلك ففي أيّ مورد وجدنا آية كريمة أخرى تدلّ على منح الله حقّ الحكم لأحد من أصفيائه علمنا أن ذلك الولي الصفي ـ هنا ـ خليفة لله في الأرض كما في قوله تعالى في سورة المائدة :
(إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ ...) (٤٤).
وكذلك في قوله تعالى مخاطبا لخاتم أنبيائه (ص) :
١ ـ في سورة النساء :
(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ ...) (١٠٥).
٢ ـ في سورة المائدة :
(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ ... فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) (٤٨).
في خبر داود وجدنا تخويله الحكم بين الناس فرعا على جعله خليفة في
__________________
ـ المستدرك ٣ / ٨١ ـ ٨٢. والأوائل للعسكري ص ١٠٣ ـ ١٠٤.
(٢٢) راجع فاء السببية في مغني اللبيب عن كتب الأعاريب.