فكتب في جواب النبيّ (ص) : ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله ، وأنا شاعر قومي وخطيبهم والعرب تهاب مكاني ، فاجعل لي بعض الأمر أتّبعك ، فقال النبي (ص) : «لو سألني سيابة من الأرض ما فعلت» (٤٠).
نرى أن الرسول (ص) قصد من (سيابة) : الأرض المهملة. إذن فقد طلب هوذة من الرسول (ص) أن يجعل له بعض الأمر : إمارة ما على أرض أو قبيلة وما شابههما ، فأجابه الرسول (ص) أنّه لا يؤمّره ولا على سيابة من الأرض ، وهذا القول من الرسول (ص) نظير قول أهل الكوفة أو البصرة عند ما وظّف واليهم على كلّ واحد منهم نقل كميّة من الحصباء إلى مسجدهم الجامع ليفرشه بالحصباء ، وأمر عليهم أحدهم وكان يتصعّب في قبول الحصباء منهم ، فقالوا : يا حبّذا الإمارة ولو على الحجارة! وكذلك الأمر في الخبر السابق ، فإنّ هوذة طلب من الرسول الإمارة (ولو على الحجارة) فأجابه الرسول (ص) : لا ، ولا على الحجارة.
ب ـ في عرف المسلمين :
كان أكثر استعمال (الأمر) في عرف المسلمين يوم السّقيفة وما بعدها ، قال سعد بن عبادة للأنصار يوم السقيفة :
(استبدّوا بهذا الأمر دون الناس ...).
__________________
(٤٠) طبقات ابن سعد ، ط. أوربا ١ / ق ٢ / ١٨.
وقالوا في السيابة : واحدة السياب : البسر الأخضر ، وعلى هذا لم يكن من المناسب أن يقول ولا سيابة أي لا بسر من الأرض بل كان المناسب أن يقول ولا بسر من التمر. ونرى أن السيابة مشتقة من السيب وهو كلّ سيب وخلي ، ومنه السائبة : أي الدابة المهملة ، ويكون المعنى : الأرض الخالية والمتروكة.