وإنّها قد كانت كذلك ، ولكنّ الله وقى شرّها ، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر ، من بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الّذي بايعه تغرّة أن يقتلا.
مناقشة الاستدلالين
أشرنا هنا أولا إلى استدلال الخليفة أبي بكر في السقيفة ، وثانيا إلى رفع الخليفة عمر شعار الشورى لولاية الأمر من بعده. أمّا ما كان من احتجاج الخليفة أبي بكر في السقيفة ، فإنّ الحقيقة في أمر احتجاجات جميعهم يوم ذاك ، هي أنّها كانت تجري وفق المنطق القبلي ؛ فإنّ الأنصار لمّا تركوا جثمان رسول الله (ص) ملقى بين أهله ، وبادروا إلى سقيفة بني ساعدة ليولّوا سعدا ما قالوا إنّ سعدا أفضل من غيره وأولى بهذا الأمر ، بل قالوا : إنّ الناس في فيئكم ولا يجترئ مجترئ عليكم.
وإنّ مهاجرة قريش ـ أيضا ـ لمّا التحقوا بهم احتجّوا بالمنطق القبلي حين قالوا : إنّ قريشا أوسط العرب دارا ، وقالوا : من ذا ينازعنا سلطان محمّد ونحن أهله وعشيرته!؟
وكذلك كان قول الأنصاريّ حين قال : منّا أمير ومنكم أمير ، وقول المهاجري حين قال : نحن الأمراء وأنتم الوزراء.
وكذلك كان دافع أسيد بن حضير وسائر من حضر من أفراد قبيلته الأوس قبليّا حين خافوا سلطة الخزرج عليهم ، وتذكّروا حرب البعاث بينهم ، والّتي لم يكن قد مضى عليها عقدان من الزمن وقالوا : والله لئن وليتها عليكم الخزرج مرّة ، لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ، ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا ، فقوموا فبايعوا أبا بكر.
وتمّت الغلبة أخيرا لمهاجرة قريش بمجيء قبيلة (أسلم) الّتي ملأت