ولا أطوع لك منهم ، لهم رغبة في الجهاد ونيّة ؛ ولو ظنّوا يا رسول الله أنّك ملاق عدوّا ما تخلّفوا ، ولكن إنما ظنّوا أنّها العير. نبني لك عريشا فتكون فيه ونعدّ لك رواحلك ، ثمّ نلقى عدوّنا ، فإن أعزّنا الله وأظهرنا على عدوّنا كان ذلك ما أحببنا ، وإن تكن الأخرى جلست على رواحلك فلحقت من وراءنا.
فقال له النبيّ (ص) خيرا ، وقال : «أو يقضي الله خيرا من ذلك يا سعد!»
قالوا : فلمّا فرغ سعد من المشورة ، قال رسول الله (ص) :
«سيروا على بركة الله. فإنّ الله قد وعدني إحدى الطائفتين. والله ، لكأني أنظر إلى مصارع القوم». قال : وأرانا رسول الله (ص) مصارعهم يومئذ ؛ هذا مصرع فلان ، وهذا مصرع فلان ، فما عدا كلّ رجل مصرعه. قال : فعلم القوم أنّهم يلاقون القتال ، وأنّ العير تفلت ، ورجوا النّصر لقول النبي (ص) (٦).
كانت استشارة رسول الله (ص) في هذا المقام : أنّه استشار أصحابه في ما ذا يفعلون ، بعد أن أخبره الله سبحانه وتعالى بأنّهم سيقاتلون وينتصرون ، وأخبره بمصارع القوم والرسول (ص) أيضا أخبر أصحابه بمصارع القوم بعد أن وافقوه على القتال ، فهو إذ يستشيرهم لا يريد الاستفادة من رأيهم ، وإنّما هو نوع من الملاينة وإخبار بإفلات غير قريش وتغيير الأمر من الاستيلاء على مال التجارة إلى القتال ليستعدّوا للقتال.
ب ـ غزوة أحد
كانت تلكم مشاورة الرسول (ص) أصحابه في غزوة بدر. وفي ما يلي قصّة مشاورة الرسول أصحابه في غزوة أحد وفي هذه المشاورة عمل رسول
__________________
(٦) مغازي الواقدي ، ط. آكسفورد ١ / ٤٨ ـ ٤٩. وإمتاع الأسماع للمقريزي ص ٧٤ ـ ٧٥.