فيكون هذا جرأة منهم علينا ؛ وقد كنت يوم بدر في ثلاثمائة رجل فظفّرك الله عليهم ، ونحن اليوم بشر كثير ؛ قد كنّا نتمنّى هذا اليوم وندعو الله به ، فساقه الله إلينا في ساحتنا. ورسول الله (ص) لما يرى من إلحاحهم كاره ، وقد لبسوا السلاح. وقال حمزة : والّذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم اليوم طعاما حتّى أجالدهم (١١) بسيفي خارجا من المدينة ، وكان يوم الجمعة صائما ويوم السبت صائما. وتكلّم مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري ، والنّعمان بن مالك بن ثعلبة ، وإياس بن أوس بن عتيك ، في معنى الخروج للقتال. فلمّا أبوا إلّا ذلك صلّى (١٢) رسول الله (ص) الجمعة بالناس وقد وعظهم وأمرهم بالجدّ والجهاد ؛ وأخبرهم أنّ لهم النصر ما صبروا. ففرح النّاس بالشّخوص (١٣) إلى عدوّهم ، وكره ذلك المخرج كثير. ثمّ صلّى رسول الله (ص) العصر بالنّاس وقد حشدوا ، وحضر (١٤) أهل العوالي (١٥) ورفعوا النّساء في الآطام ، ودخل (ص) بيته ومعه أبو بكر وعمر (رض) فعمّماه ولبّساه. وقد صفّ الناس له ما بين حجرته إلى منبره ، فجاء سعد بن معاذ وأسيد بن حضير فقالا للنّاس: قلتم لرسول الله (ص) ما قلتم واستكرهتموه على الخروج ، والأمر ينزل عليه من السماء ، فردّوا الأمر إليه فما أمركم فافعلوه ، وما رأيتم فيه له هوى أو رأي فأطيعوه. فبينا هم على ذلك إذ خرج رسول الله (ص) قد لبس لأمته (١٦) ، ولبس الدرع فأظهرها وحزم وسطها بمنطقة (١٧) [من أدم] (١٨) من حمائل
__________________
(١١) جالد بالسيف : ضرب به كأنه يجلد بسوط لسرعة ضربه وتتابعه.
(١٢) في الأصل : (صلى الله).
(١٣) الشخوص : الخروج.
(١٤) في الأصل : (حضرو).
(١٥) العوالي : ضيعة بينها وبين المدينة ثلاثة أميال.
(١٦) اللأمة : أداة الحرب ولباسها ، كالرمح والبيضة والمغفر والسيف والنبل.
(١٧) المنطقة والنطاق ، كلّ ما يشدّ به الوسط كالحزام.
(١٨) الذي بين المعقوفتين كان في الأصل بعد قوله : (حمائل سيف) ، وهذا حقّ موضعه.