رجليك. أتمدّ رجليك بين يدي رسول الله (ص)!؟ والله لو لا رسول الله لأنفذت حضنيك بالرّمح! ثمّ قال : يا رسول الله صلّى الله عليك ، إن كان أمرا من السّماء فامض له ، وإن كان غير ذلك فو الله لا نعطيهم إلّا السيف. متى طمعتم بهذا منّا؟ فدعا رسول الله (ص) سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فاستشارهما خفية ، فقالا : إن كان هذا أمرا من السّماء فامض له ، وإن كان أمرا لم تؤمر فيه ولك فيه هوى فسمع وطاعة ، وإن كان إنّما هو الرأي فما لهم عندنا إلّا السيف. فقال رسول الله (ص) : «إنّي رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة فقلت أرضيهم ولا أقاتلهم.» ، فقالا : يا رسول الله ، والله إن كانوا ليأكلون العلهز في الجاهلية من الجهد ، ما طمعوا بهذا منّا قطّ : أن يأخذوا ثمرة إلا بشراء أو قرى! فحين أتانا الله بك وأكرمنا بك ؛ وهدانا بك ، نعطي الدّنيّة!؟ لا نعطيهم أبدا إلّا السيف. فقال (ص) : «شقّ الكتاب» فشقّه سعد ، فقام عيينة والحارث. فقال (ص) : «ارجعوا بيننا السيف» رافعا صوته.
كانت هذه قصّة استشاره الرسول (ص) أصحابه في هذه الغزوة ، ويظهر من محاورة الرسول (ص) فيها أنّه ـ صلوات الله عليه ـ أراد أن يوقع الخلاف بين القبائل المحاربة ، وخاصّة أنّ في آخره يرفع صوته ويقول : «ارجعوا بيننا السيف» فإنّ هذا الخبر ينتشر ويبلغ قريشا ويقع بينهم الخلاف ، وقد رويا بعد هذا : أنّ رسول الله (ص) أمر نعيم بن مسعود لذلك ونجح ، فألقى الشكّ والترديد والخلاف بين بني قريظة وقريش وكان ذلك من أسباب انكسارهم (١٩).
__________________
(١٩) مغازي الواقدي ٢ / ٤٧٧ ـ ٤٨٠. وإمتاع الأسماع للمقريزي ص ٢٣٥ ـ ٢٣٦.
والعلهز : كان أهل الجاهلية في سنيّ القحط والمجاعة يخلطون الوبر بالدم ويشوونه ويأكلون ويسمّونه العلهز.
الهجرس : ولد الثعلب ، وقيل هو القرد أو دويبة أخرى.