في ضوء ما بيّناه من مشاورات الرسول (ص) يتّضح لنا جليّا أنّه لم تكن الغاية من تلك المشاورات أن يتعلم الرسول (ص) من أصحابه الرأي الصائب ليعمل به ، بل كانت الغاية أحيانا أن يعلمهم الرسول (ص) بأسلوب المشورة الرأي الصائب الّذي كان يعلمه الرسول (ص) مسبقا ليعملوا به.
كما كان شأن مشورته إيّاهم في غزوة بدر ، فإنّ الله كان قد أعلم رسوله (ص) النتيجة مسبقا من أنّهم سيقاتلون قريشا وينتصرون عليهم ، وبعد المشاورة أعلمهم الرسول (ص) نتيجة الأمر ، وأراهم مصارع قريش. إذا كانت الغاية من المشاورة توجيه المسلمين بأسلوب المشاورة إلى ما ينبغي أن يعملوه خلافا لأسلوب الملوك الجبّارين الّذين يملون آراءهم على الناس بقولهم مثلا : نحن ملك ... أصدرنا أمرنا الملكي بكذا ....
وإنّ صدر الآية يدلّ بوضوح على ما ذكرنا ، فإنّه تعالى قال : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ...) آل عمران / ١٥٩. فالمشاورة هنا من مصاديق اللّيونة وكونها رحمة من الله ، اللّتين وردتا في صدر الآية.
تارة تكون الغاية من المشاورة الملاينة كالمثال السابق ، وتارة تكون الغاية تربية نفوس المسلمين ، كما كان شأن المشاورة في غزوة أحد ، فإنّ رسول الله (ص) بعد أن أخذ برأيهم ولبس لامة حربه بقصد السير إلى أحد ، ندموا على إلحاحهم على الرسول (ص) بالخروج ، وقالوا : يا رسول الله (ص) ما كان لنا أن نخالفك ، فاصنع ما بدا لك. فقال : «قد دعوتكم إلى هذا فأبيتم ، ولا ينبغي لنبيّ إذا لبس لامته أن يضعها حتّى يحكم الله بينه وبين أعدائه».
يظهر من المحاورات الّتي دارت بين الرسول (ص) وأصحابه في هذه الواقعة ، أنّ عدم استجابة الرسول (ص) لرغبتهم العارمة في الخروج كان يؤثر على نفوسهم تأثيرا سيّئا ، ويولد فيهم ضعف النفس والتردّد وعدم الإقدام في