يختار ، ولا للغائب أن يردّ. وإنّما الشّورى للمهاجرين والأنصار ، فإذا اجتمعوا على رجل فسمّوه إماما كان ذلك لله رضى ، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردّوه إلى ما خرج منه ، فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين ، وولّاه الله ما تولّى ويصليه جهنّم وساءت مصيرا. وإنّ طلحة والزبير بايعاني ثمّ نقضا بيعتي ، وكان نقضهما كردّهما ، فجاهدتهما على ذلك حتّى جاء الحقّ وظهر أمر الله وهم كارهون. فادخل فيما دخل فيه المسلمون ؛ فإنّ أحبّ الأمور إليّ فيك العافية ، إلّا أن تتعرّض للبلاء. فإن تعرّضت له قاتلتك واستعنت الله عليك. وقد أكثرت في قتلة عثمان ، فادخل فيما دخل فيه المسلمون ، ثم حاكم القوم إليّ أحملك وإيّاهم على كتاب الله. فأمّا تلك الّتي تريدها فخدعة الصبيّ عن اللّبن. ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدنّي أبرأ قريش من دم عثمان. واعلم أنّك من الطّلقاء (٢٦) الّذين لا تحلّ لهم الخلافة ، ولا تعرض فيهم الشّورى. وقد أرسلت إليك وإلى من قبلك جرير بن عبد الله ، وهو من أهل الإيمان والهجرة : فبايع. ولا قوة إلّا بالله (٢٧).
اتّضح لنا من هذا الكتاب أنّ الإمام عليّا يحتجّ على معاوية بما التزم به هو ونظراؤه ويقول له : إنّ بيعتي بالمدينة لزمتك يا معاوية وأنت بالشام كما التزمت ببيعة عثمان بالمدينة وأنت بالشّام ، وكذلك لزمت بيعتي نظراءك خارج المدينة كما لزمتهم بيعة عمر في المدينة وهم في أماكن أخرى.
هكذا يلزمه الإمام عليّ بكلّ ما التزمه هو ونظراؤه من مدرسة الخلافة يوم ذاك ، وهذا وارد لدى العقلاء ، فإنّهم يحتجّون على الخصم بما التزمه هو. هذا أوّلا.
__________________
(٢٦) الطلقاء : جمع طليق ، وهو الأسير الّذي أطلق عنه إساره وخلي سبيله. ويراد بهم الّذين خلّى عنهم رسول الله (ص) يوم فتح مكّه وأطلقهم ولم يسترقهم.
(٢٧) صفين لنصر بن مزاحم ط. القاهرة سنة ١٣٨٢ ه ، ص ٢٩.