اعترض الرّيب فيّ مع الأوّل منهم حتّى صرت أقرن إلى هذه النّظائر (٤٤)!! لكنّي أسففت إذ أسفوا (٤٥) وطرت إذ طاروا ؛ فصغى رجل منهم لضغنه (٤٦) ومال الآخر لصهره (٤٧) مع هن وهن (٤٨). إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه (٤٩) بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الرّبيع (٥٠) ، إلى أن انتكث فتله ، وأجهز عليه عمله (٥١) وكبت به بطنته (٥٢). فما راعني إلّا والنّاس كعرف الضّبع إليّ ينثالون (٥٣) عليّ من كلّ جانب ؛ حتّى
__________________
ـ أخشى عليك الفتنة فاتّق الله. ثم لمّا حدث في عهد عثمان ما حدث من قيام الأحداث من أقاربه على ولاية الأمصار ووجد عليه كبار الصحابة روي أنّه قيل لعبد الرحمن : هذا عمل يديك ، فقال : ما كنت أظنّ هذا به! ولكن لله عليّ أن لا أكلّمه أبدا ، ثم مات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان ، حتى قيل : إن عثمان دخل عليه في مرضه يعوده فتحول إلى الحائط لا يكلّمه! والله أعلم ، والحكم لله يفعل ما يشاء.
(٤٤) المشابه بعضهم بعضا دونه.
(٤٥) أسف الطائر : دنا من الأرض ؛ يريد أنه لم يخالفهم في شيء.
(٤٦) صغى صغيا وصغا صغوا : مال. والضغن : الضغينة يشير إلى سعد.
(٤٧) يشير إلى عبد الرحمن.
(٤٨) يشير إلى أغراض أخرى يكره ذكرها ، وقد أشرنا الى بعضها في باب مناقشة الشورى.
(٤٩) يشير إلى عثمان ، وكان ثالث الخلفاء. ونافجا حضنيه : رافعا لهما. والحضن : ما بين الإبط والكشح ؛ يقال للمتكبر : جاء نافجا حضنيه. ويقال مثله لمن امتلأ بطنه طعاما. والنثيل : الروث. والمعتلف : من مادة (علف) موضع العلف وهو معروف ، أي : لا همّ له إلا ما ذكر.
(٥٠) الخضم ، على ما في القاموس : الأكل مطلقا ، أو بأقصى الأضراس ، أو ملء الفم بالمأكول ، أو خاصّ بالشيء الرطب. والقضم : الأكل بأطراف الأسنان أخفّ من الخضم. والنبتة ـ بكسر النون ـ : كالنبات في معناه.
(٥١) انتكث فتله : انتقض. وأجهز عليه عمله : تمم قتله ، تقول : أجهزت على الجريح ، وذففت عليه.
(٥٢) البطنة ـ بالكسر ـ : البطر والأشر ، والكظة (أي : التخمة) والإسراف في الشبع. وكبت به : من كبا الجواد إذا سقط لوجهه.
(٥٣) عرف الضبع : ما كثر على عنقها من الشعر ، وهو ثخين ، يضرب به المثل في الكثرة والازدحام.
وينثالون : يتتابعون مزدحمين.