وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٥)
وإنّ رسول الله (ص) وإن لم يشخص هنا وليّ الأمر من بعده ، لأنّه لم يكن من الحكمة أن يعرّف وليّ الأمر من بعده وهو من غير قبيلة الأنصار ، ولعلّ نفوس بعض المبايعين لم تكن تتحمّل ذلك يومئذ ، غير أنه أخذ البيعة منهم أن لا ينازعوه حين يعيّنه لهم بعد ذلك.
وقد عيّن الرسول (ص) وليّ الأمر من بعده وشخص وصيّه وخليفته في مجتمع أصغر من هذا المجتمع ، وذلك في أوّل يوم دعا الأقربين إليه للإسلام ، كما رواه جمع من أهل الحديث والسير مثل : الطبري ، وابن عساكر ، وابن الأثير ، وابن كثير ، والمتّقي ، وغيرهم ـ واللفظ للأوّل (٦) ـ قال : عن عليّ بن أبي طالب (ع) قال :
لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله (ص) : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) الشعراء / ٢١٤. دعاني رسول الله (ص) فقال لي :
يا عليّ ، إنّ الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ، فضقت بذلك ذرعا ، وعرفت أنّي متى أباديهم بهذا الأمر ، أرى ما أكره ، فصمتّ عليه ، حتّى جاءني جبرئيل فقال : يا محمّد إن لا تفعل ما تؤمر به يعذّبك ربّك. فاصنع لنا صاعا من طعام ، واجعل عليه رجل شاة ، واملأ لنا عسّا من لبن ، ثمّ اجمع لي بني عبد المطّلب حتّى أكلّمهم وأبلّغهم ما أمرت به.
__________________
(٥) النساء / ٥٩. ويأتي تفسيرها والأحاديث الواردة عن رسول الله (ص) حوله في بحوث الكتاب إن شاء الله تعالى.
(٦) تاريخ الطبري ط. أوربا ٣ / ١١٧١ ـ ١١٧٢. وابن عساكر تحقيق المحمودي ج ١ من ترجمة الإمام. وتاريخ ابن الأثير ٢ / ٢٢٢. وشرح ابن أبي الحديد ٣ / ٢٦٣. وفي تاريخ ابن كثير ٣ / ٣٩ ، وقد حذف الألفاظ وقال : كذا وكذا. وكنز العمال للمتقي ، ١٥ / ١٠٠ و ١١٥ و ١١٦ منه ، وفي ص ١٣٠ : يكون أخي وصاحبي ووليّكم بعدي. والسيرة الحلبية نشر المكتبة الإسلاميّة ببيروت ١ / ٢٨٥.