محمّدا (ص) فاختصّه برسالته ، واختاره لوحيه ، وائتمنه على أمره ، وبعثه رسولا مصدّقا لما بين يديه من الكتب ، ودليلا على الشرائع ، فدعا إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة ، فكان أول من أجاب وأناب ، وصدق ووافق ، وأسلم وسلم ؛ أخوه وابن عمّه عليّ بن أبي طالب (ع) ، فصدّقه بالغيب المكتوم ، وآثره على كلّ حميم ، فوقاه كلّ هول ، وواساه بنفسه في كلّ خوف ، فحارب حربه ، وسالم سلمه ، فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الأزل ، ومقامات الروع ، حتّى برز سابقا لا نظير له في جهاده ، ولا مقارب له في فعله. وقد رأيتك تساميه وأنت أنت ، وهو هو المبرّز السابق في كلّ خير ، أوّل الناس إسلاما ، وأصدق الناس نيّة ، وأطيب الناس ذرّيّة ، وأفضل الناس زوجة ، وخير الناس ابن عمّ ... ثمّ لم تزل أنت وأبوك تبغيان الغوائل لدين الله ، وتجهدان على إطفاء نور الله ، وتجمعان على ذلك الجموع ، وتبذلان فيه المال ، وتحالفان فيه القبائل. على ذلك مات أبوك ، وعلى ذلك خلفته ، والشاهد عليك بذلك من يأوي ويلجأ إليك من بقية الأحزاب رءوس النفاق والشقاق لرسول الله (ص). والشاهد لعليّ مع فضله المبين وسبقه القديم ، أنصاره الّذين ذكروا بفضلهم في القرآن فأثنى الله عليهم ، من المهاجرين والأنصار ، فهم معه عصائب وكتائب حوله ، يجالدون بأسيافهم ، ويهريقون دماءهم دونه ، يرون الفضل في اتّباعه ، والشّقاء في خلافه ، فكيف ـ يا لك الويل ـ تعدل نفسك بعليّ ، وهو وارث رسول الله (ص) ، ووصيّه وأبو ولده وأول الناس له اتّباعا ، وآخرهم به عهدا ، يخبره بسرّه ويشركه في أمره.
وكتب معاوية في جوابه :
من معاوية بن أبي سفيان إلى الزاري على أبيه محمّد بن أبي بكر.