فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملا من عمّال معاوية ، فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلّا كتب اسمه ، وقرّبه وشفّعه ، فلبثوا بذلك حينا ، ثم كتب إلى عماله أنّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر ، وفي كلّ وجه وناحية ، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين ، ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلّا وأتوني بمناقض له في الصحابة فإنّ هذا أحبّ إليّ وأقرّ إلى عيني ، وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته ، وأشدّ عليهم من مناقب عثمان ، وفضله ، فقرئت كتبه على الناس ، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها ، وجرى الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر ، وألقي إلى معلمي الكتاتيب فعلّموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع ، حتى رووه ، وتعلّموه كما يتعلّمون القرآن ، وحتى علّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم ، فلبثوا بذلك إلى ما شاء الله ... ، فظهرت أحاديث كثيرة موضوعة ، وبهتان منتشر ، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة ...) الحديث (١٧).
وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه ، وهو من أكابر المحدّثين وأعلامهم ، في تاريخه ما يناسب هذا الخبر وقال : «إنّ أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيّام بني أمية تقرّبا إليهم بما يظنّون أنّهم يرغمون به أنوف بني هاشم» (١٨).
__________________
(١٧) في شرح «من كلام له ، وقد سأله سائل عن أحاديث البدعة» من شرح النهج ٣ / ١٥ ـ ١٦ ، أورد ابن أبي الحديد الروايتين المرويتين عن (المدائني). وهو ابو الحسن علي بن محمد بن عبد الله (ت ٣١٥ ه) ذكر له النديم في الأحداث ٢٥ كتابا (الفهرست ص ١١٥)
(١٨) المصدر السابق ؛ وص ٢١٣ من فجر الإسلام.