وردي ، فلما رآني قام فصلّى وأطال في الصلاة ـ شبه المعرض عنّي حتى أحسست منه بذلك ـ فلما انفتل من صلاته كلح في وجهي ، فقلت له : ما بال الشيخ؟ فقال لي : يا بنيّ ، أنت اللاعن عليّا منذ اليوم! قلت : نعم ، قال : فمتى علمت أن الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم! فقلت : وهل كان عليّ من أهل بدر؟ فقال : ويحك! وهل كانت بدر كلها إلّا له! فقلت لا أعود ، فقال : الله أنك لا تعود! قلت : نعم. فلم ألعنه بعدها (٥٣) ، ثم كنت أحضر تحت منبر المدينة ، وأبي يخطب يوم الجمعة ، وهو حينئذ أمير المدينة ، فكنت أسمع أبي يمر في خطبه تهدر شقاشقه ، حتى يأتي إلى لعن علي عليهالسلام فيجمجم ، ويعرض له من الفهاهة والحصر ما الله عالم به ، فكنت أعجب من ذلك ، فقلت له يوما : يا أبت ، أنت أفصح الناس وأخطبهم ، فما بالى أراك أفصح خطيب يوم حفلك ، حتى إذا مررت بلعن هذا الرجل ، صرت ألكن عييّا! فقال : يا بنيّ ، إنّ من ترى تحت منبرنا من أهل الشام وغيرهم ، لو علموا من فضل هذا الرجل ما يعلمه أبوك لم يتبعنا منهم أحد. فوقرت كلمته في صدري ؛ مع ما كان قاله لي معلمي أيام صغري ، فأعطيت الله عهدا ؛ لئن كان لي في هذا الأمر نصيب لأغيّرنّه ، فلما منّ الله عليّ بالخلافة أسقطت ذلك وجعلت مكانه : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) (٥٤) يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٥٥) ، وكتبت به إلى
__________________
(٥٣) شرح النهج لابن أبي الحديد ، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم ، ٤ / ٥٨ ـ ٥٩. وأورد هذا الخبر ابن عساكر في تاريخ دمشق ، ورقة ١٣١ ، في ترجمة عمر بن عبد العزيز ، وعمر بن عبد العزيز ولي الخلافة سنة ٩٩ ه. ومات مسموما سنة ١٠١ ه.
(٥٤) أورد الخبرين بإيجاز كلّ من ابن الأثير في تاريخه ، ٥ / ١٦. والمسعودي في مروج الذهب ، ٣ / ١٨٤.
(٥٥) سورة النحل / ٩٠.