إنّا روينا أنّ الله عزوجل قسّم لموسى الكلام ولمحمد الرؤية. فقال أبو الحسن الرضا (ع) : فمن المبلّغ عن الله عزوجل إلى الثقلين الجنّ والإنس : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) و (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) و (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) أليس محمدا (ص)؟ قال : بلى ، قال : فكيف يجيء رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنّه جاء من عند الله وأنّه يدعوهم إلى الله بأمر الله ويقول : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ...) ـ الآيات ، ثمّ يقول : أنا رأيته بعيني وأحطت به علما وهو على صورة البشر!؟ أما تستحون؟ ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا ، أن يكون يأتي عن الله بشيء ثمّ يأتي بخلافه من وجه آخر.
قال الراوى : فإنّه يقول : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) فقال أبو الحسن (ع) : إنّ بعد هذه الآية ما يدلّ على ما رأى حيث قال : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) يقول : ما كذّب فؤاد محمد (ص) ما رأت عيناه. ثمّ أخبر بما رأى فقال : (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) فآيات الله عزوجل غير الله ، وقد قال : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) فإذا رأته الأبصار ، فقد أحاطت به العلم ، ووقعت المعرفة. فقال أبو قرّة : فتكذّب بالروايات؟ فقال أبو الحسن (ع) : إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذّبت بها ... (٢٧).
* * *
وهكذا بيّن أئمة أهل البيت (ع) تفسير الآيات الّتي فيها شبهة رؤية الله وتجسيمه ، وكشفوا عن المقصود من السّاق واليد والعرش ونظائرها في
__________________
(٢٧) توحيد الصدوق ، ط. طهران سنة ١٣٨٧ ه ، ص ١١١ ـ ١١٢. وأحاطت به العلم ، أي : أحاطت به الأبصار علما ، وقد أوردنا الحديث موجزا. والبحار ، كتاب التوحيد ، باب نفي الرؤية وتأويل الآيات ، ح ١٤ ، ٤ / ٣١. والكافي ، كتاب التوحيد ، باب في إبطال الرؤية ح ٢