أمّا جواب النبيّ (ص) وتأخّره عن الإجابة فقد كان هذا شأن النبيّ (ص) في الأمور المهمّة. ينتظر أمر السّماء مثل انتظاره في المدينة أمر السّماء في تحويل القبلة إلى الكعبة وهو يعلم أنّها قبلته ، حتّى نزلت عليه : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها) البقرة / ١٤٤. ولمّا كان رسول الله (ص) يعلم تنافس الإنسان العربي على الإمرة كما مرّ بنا بعض أخباره (١٠) فيما سبق ، وكان المجتمع الإسلاميّ الصغير في المدينة الّذي بدأ النبيّ (ص) بتأسيسه لا يتحمّل نشر خبر ولاية عهد الإمام علي بعد النبيّ (ص) ، تأخّر النبيّ (ص) في جواب سلمان ، ولعلّه أجاب سلمان حين أذن له بذلك ، وعندئذ فاتح سلمان وأعدّه لاستماع الجواب بالسؤال منه عن وصيّ موسى وهو يعلم أن سلمان يعلم ذلك بما عنده من علماء أهل الكتاب ، فلمّا أجابه بأنّ يوشع بن نون كان وصيّ موسى ، سأله النبيّ (ص) وقال له : «لم؟» فلمّا قال سلمان في جوابه : (لأنّه كان أعلمهم يومئذ) قال النبيّ (ص) : «فإنّ وصيّي و... عليّ بن أبي طالب».
والحكمة في جواب النبيّ لسلمان بهذا الأسلوب ما يأتي :
أولا : ضرب النبيّ (ص) المثل بيوشع بن نون لأنّه كان أشهر أوصياء الأنبياء ، ولأنّ موسى بن عمران (ع) كان قد استخلفه على أمّته من بعده ، فقاد بني إسرائيل ومارس الحروب ، كما فعل الإمام علي بعد النبيّ (ص) في مدّة حكمه.
ثانيا : سأل عن سبب كون يوشع وصيّا لموسى وأجاب سلمان أنه كان أعلمهم.
بهذه المحاورة بيّن رسول الله (ص) أنّ عليّا وصيّه. ليس لكونه ابن عمّ الرسول (ص) أو لأنّه دافع عن الإسلام في حروب النبيّ (ص) ببسالة فائقة ،
__________________
(١٠) في فصل مصطلحات بحث الإمامة والخلافة.