الوصية مدى سبعمائة سنة منذ عهد أمّ المؤمنين عائشة حتّى عصر ابن كثير ، لأن نصّ الوصيّة كان يشخّص قصد الرسول (ص) في سائر النصوص الّتي نصّ بها على حقّ آله في الحكم بدءا بالإمام عليّ وانتهاء بالإمام المهدي ، مثل حديث الغدير وحديث أنّ عليّا ولي الأمر بعد الرسول (ص) ووارثه ، إلى غيرهما. بينما كانت مدرسة الخلفاء تؤوّل تلك النّصوص إلى مدلول الفضيلة لآل الرسول (ص). وممّا يوضّح ذلك أنّ علماء أهل الكتاب ـ مثلا ـ عند ما كانوا يتكلّمون عن وصيّ خاتم الأنبياء ، ما كانوا يعنون غير وليّ عهده من بعده.
وأنّ أنصار الإمام عليّ (ع) عند ما كانوا يذكرون الوصيّة في خطبهم وأشعارهم. يحتجّون بها على حقّ الإمام عليّ (ع) في الحكم مثل أبي ذرّ على عهد عثمان ومالك الأشتر يوم بيعة الإمام عليّ (ع) ومحمّد بن أبي بكر في كتابه لمعاوية ، والمهاجرين والأنصار في أشعارهم في الجمل وصفّين ، والإمام الحسن (ع) عند ما خطب ليبايع له ، والإمام الحسين عند ما خطب على جيش الخلافة بكربلاء ، كلّهم كانوا يحتجّون بالوصيّة ، لأنّها كانت تشير إلى جميع النّصوص الّتي وردت بحقّهم وتشملها ، فكأنّهم في احتجاجهم بالوصيّة يدلون بجميع تلك النّصوص.
وإنّ قيام العلويّين المطالبين بالحكم لم ينته باستشهاد الإمام الحسين (ع) وإنّما استمرّت ثوراتهم على الخلفاء حتّى عصر العباسيين ، وكان في مقدمة ما يضايق مدرسة الخلفاء في كلّ تلكم القرون في المعركة السياسية شهرة الإمام عليّ (ع) بأنّه وصيّ النبيّ (ص) لما كان يحتجّ بها المطالبون بالحكم من العلويين باعتبار أنّها تدلّ كما ذكرنا آنفا على نصّ النّبيّ (ص) بحقّ الإمام عليّ (ع) وولده في الحكم.
ومن ثمّ لمّا أراد المأمون تهدئة ثورات العلويّين تظاهر بالاستدلال بالوصيّة وولى الإمام الرضا العهد من بعده ، وبذلك هدّأ العلويّين في كلّ مكان