الطبري وابن الأثير وابن عساكر وابن كثير وابن خلدون وغيرهم أنّ سيف بن عمر متّهم بالزندقة وأنّ علماء الرجال أجمعوا على نعته بالكذب ولم يوثّقه أحد منهم ، بل رأينا هؤلاء بأنفسهم يضعّفون حديثه كما نقلنا عنهم في كتابنا (عبد الله بن سبأ) ، وكذلك لم تخف عليهم الروايات الصحيحة في تلك الأخبار وإنّما كرهوا ذكرها كما نصّوا على ذلك ، فكتموا الأخبار الصحيحة لما قالوا إنّ العامة لا تحتمل سماعها ، وليتهم اكتفوا بكتمان الأخبار الصحيحة في هذا الشّأن كما فعلوا بكثير من الأخبار الأخرى ولم ينقلوا الأخبار المكذوبة بدلا من الأخبار الصحيحة ولم ينشروا الأخبار المختلقة بين النّاس مع علمهم بكذبها ، فإنّهم كانوا يعلمون بكذب ما نسبه سيف إلى عمّار وأبي ذرّ وابن مسعود وحجر بن عدي إلى عشرات غيرهم من الصحابة والتابعين في ما افتراه عليهم من أنّهم اتّبعوا يهوديّا أمرهم بالإفساد بين المسلمين وإيقاع الفتنة والفساد بينهم حتّى قتل بعضهم البعض الآخر وهم لا يدركون ما يعملون! على عقول من صدّق هذه الخرافات ، العفا! كيف يصدّقون أنّ الخليفة عثمان لم يتنبّه إلى هذا اليهودي على حدّ زعم سيف في إثارته الفتن! وكيف لم يسأل عمّار وأبو ذرّ الإمام عليّا عمّا يدعو له هذا اليهودي من أنّه وصيّ رسول الله (ص)؟! وكيف لم يسأله ربيبه محمّد بن أبي بكر عن صدق مزعمة هذا اليهودي؟!
لست أدري كيف يصدّقون هذه الأكاذيب؟! ولست أزعم أنّ العلماء صدّقوا بحديث سيف ، كلّا ، فإنّهم يعلمون كذب ما اختلقه وافتراه وإنّما عجبي من عامّة النّاس كيف يصدّقون هذه الأساطير الخرافية؟ فإنّ العلماء الّذين نشروا أكاذيب سيف كانوا يعلمون كذبه وإنّما تقبّلوها لأنّ الزنديق طلاها بطلاء الدفاع عن ذوي السلطة في ما انتقدوا عليه ، مثل ما فعل في