ما انتقد عليه خالد على قتله مالك بن نويرة ونكاحه زوجته في ليلته ، وفي ما رمي به المغيرة بن شعبة زمان إمارته على البصرة ، وفي خبر درء سعد بن أبي وقّاص حدّ شرب الخمر عن أبي محجن ، وفي خبر الوليد وحدّه على شرب الخمر. إنّ سيف بن عمر عالج جميع ما انتقد عليه هؤلاء وغيرهم من الخلفاء والولاة وذويهم ، فلم يهتمّ كبار العلماء عندئذ أن ينشروا ما افتراه هذا الزنديق على أبرار الصحابة الفقراء ، أمثال ابن مسعود وأبي ذرّ وعمّار تحت غطاء الدفاع عن أولئك ، لأنّ المهمّ عندهم كتمان ما يعاب عليه الخلفاء والولاة وذووهم عن عامّة النّاس. وبنشر أكاذيب سيف بلغوا غايتهم وبلغ سيف ـ أيضا ـ غايته من تسخيف صحابة النبيّ الأبرار ونشر الأراجيف السخيفة في التاريخ الإسلامي بدافع الزندقة.
ويظهر من قول الطبري في ذكر سبب قتل عثمان : (فأعرضنا عن ذكر كثير منها لعلل دعت إلى الإعراض عنها) (٦٧) أنّ العلل الّتي دعته إلى كتمان الأخبار الصحيحة ، هي كتمان الأخبار الّتي تعاب بها سلطة الخلافة عن عامّة النّاس ، كما سبق لنا أن نقلنا منه أنّه قال : (ممّا لا يتحمّله عامّة النّاس).
وخلاصة القول : إنّهم في هذا الصنف من الكتمان ، يحرّفون حديث الرسول (ص) وسيرته وسيرة أهل بيته وأصحابه وأخبارهم الصحيحة ويبدّلونها بأخبار مختلقة ، كما فعل سيف ذلك بدافع زندقته. وأنّ العلماء يروّجون هذه الروايات المختلقة بدلا من الروايات الصحيحة مع علمهم بأنّها غير صحيحة لما يجدون فيها دفاعا عن السلطة الحاكمة وذويهم من خلفاء وولاة وأمراء!!!
وهذا النوع من الكتمان غير قليل عند علماء مدرسة الخلفاء.
__________________
(٦٧) تاريخ الطبري ، ط. اوربا ١ / ٢٩٨٠.