ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوّلوا إلى غير بلادكم ، فسمع ذلك زيد بن أرقم ومشى به إلى رسول الله وأخبره وعنده عمر بن الخطاب (٧).
فقال عمر بن الخطاب : دعني أضرب عنقه يا رسول الله. فقال : إذا ترعد له آنف كثيرة بيثرب. قال عمر : فإن كرهت يا رسول الله أن يقتله رجل من المهاجرين ، فمر به سعد بن معاذ ومحمد بن مسلمة فيقتلانه. فقال : إنّي أكره أن يتحدث الناس أنّ محمدا يقتل أصحابه (٨).
فذهب عبد الله إلى رسول الله ، وحلف أنّه لم يكن شيء من ذلك ، فلام الأنصار زيدا على قوله. وقالوا لعبد الله : لو رأيت رسول الله يستغفر لك. فلوّى رأسه وقال : أمرتموني أن أومن فآمنت ، وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فأعطيت ، فما بقي لي إلّا أن أسجد لمحمّد ، فنزلت السورة فيه وهو المقصود بقوله تعالى : (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا) (٩).
وهو المقصود من قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ ...)) (١٠).
* * *
في هذه السورة عبّر الله عن عبد الله بن أبيّ القائل الواحد ، بقوله تعالى : (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ) وبقوله عزّ اسمه : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ). القائل والفاعل واحد كما أجمع على ذلك المفسّرون ، وأطبقت الروايات على ذلك ، وإنّما أوردنا هذا على سبيل المثال
__________________
(٧) تفسير الطبري ٢٨ / ٧٥.
(٨) تفسير الطبري ٢٨ / ٧٤.
(٩) لخّصنا روايات متعددة وردت في تفسير الطبري ٢٨ / ٧١ فما بعدها ، وتفسير السيوطي ٦ / ٢٢٢ فما بعدها إلى غير ذلك ممّا ورد في التفاسير والسير.