الله بمكّة :
يا ابن الزبير ، أتصعد المنبر وتتكلم في أمير المؤمنين بكلّ قبيح ثمّ تشبه نفسك بحمام مكة!؟ ثمّ قال : يا غلام! ائتني بقوسي وسهمي. قال : فأتي بقوسه وسهامه ، فأخذ سهما فوضعه في كبد قوس ثمّ سدّده نحو حمام مكّة.
وقال : يا حمامة ، أيشرب أمير المؤمنين؟ قولي : نعم! أما والله لو قلت : نعم ، لمّا أخطأك سهمي هذا. يا حمامة : أيلعب أمير المؤمنين بالقرود والفهود ويفسق في الدين؟ قولي : نعم! أما والله لئن قلت : نعم لا أخطأك سهمي هذا ... (١).
وفي شأن وصيّ الرسول (ص) خاصّة بالغوا في قلب الحقائق إلى حدّ أنّهم لعنوه في خطب صلاة الجمعة زهاء تسعين عاما في جميع بلاد المسلمين عدا سجستان (سيستان) ، ومع كل ذلك الحجر والشدّة المتناهية فيه ـ إلى حدّ قتل من روى عن الرسول (ص) في فضله حديثا ـ مع كل ذلك انتشر شيء ممّا يضرّ بمصلحة الخلفاء في بعض كتب الحديث والتفسير والسيرة وما شابهها فعالج ذلك أتباع مدرستهم بإحراق مكتبات كان فيها مئات الألوف من الكتب بخطوط مؤلّفيها (٢) لما فيها من شيء يضرّ مصلحة الخلفاء ، وبعد كلّ تلك الشدّة في منع نشر الحقائق بقي في سنّة الرسول (ص) الّتي بأيدينا من طرق مدرسة الخلفاء النصوص الآتية في أئمّة أهل البيت. مثل قوله (ص) :
«عليّ منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي».
وفي غدير خم لمّا أمره الله أن يعيّن وليّ الأمر من بعده ونزلت آية : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) صعد منبرا من أحداج الإبل ورفع عليّا.
__________________
(١) تمام الخبر مع ذكر مصادره في ذكر خبر (ثورة أهل الحرمين) في ما يأتي من الجزء الثالث من هذا الكتاب.
(٢) راجع قبله بحث (إحراق الكتب والمكتبات).