يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) المائدة / ٤٢.
فقد خوّل نبيّه في هذه الآية أن يحكم بين أهل الكتاب ، وفي آية أخرى أمر بأن يتّخذوا حكما من النّاس بقوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ) النساء / ٣٥.
ولا منافاة بين الآيتين ، فإنّ الآية الأولى عند ما أثبتت (الحكم) لله لم تثبت له حكما محدودا مثل ما للقضاة في المحاكم بأنّ لهم أن يحكموا بين الناس بموجب القوانين المرعيّة ، وأنّه ليس لهم أن يعيّنوا حاكما من قبلهم ، وإنّما ذلك لذي سلطة أعلى ، وعلى هذا فليس للقضاة (الحكم) مطلقا ، وإنّما لهم أن يحكموا بين الناس فحسب ، ولكنّ الله له أن يحكم بين الناس بموجب حكمه ، وله أن يأذن لغيره بالحكم ، أي : له أن يعيّن حاكما على أي جهة في ملكه ، فله الحكم مطلقا. وعلى هذا فإن الأنبياء بحكم الله يحكمون ، حين يحكمون ، وكذلك الاثنان اللّذان يحكمان بين الزوجين. إذا فإنّ حكم أولئك الحكّام إذا حكموا بموجب ما أمر الله ، ليس حكم ما سوى الله ، ولا حكم غير الله ، ولا حكم دون الله ، ولا حكم مع الله ، وإنّما هو حكم بأمر الله وحكم بإذن الله.
وسيأتي جوابهم على دعاء غير الله في ذكر (دعوة الرسول (ص) والتّوسل به الى الله) بعيد هذا إن شاء الله تعالى.
وكذلك الشأن بالنسبة إلى بعض الآيات الأخرى الّتي تثبت بعض الصفات لله فإنّها لا تثبتها لله محدودة بحدّ ، وإنّما تثبتها لله مطلقا. مثل إثبات صفة الملك لله تعالى.
صفة الملك لله
لا منافاة في إثبات صفة الملك لله في قوله تعالى :
(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) المائدة / ١٨ ،