ب ـ الباعث الثاني لما نشأ من الخلاف
الباعث الثاني على الخلاف في الأمّة الإسلامية مدى القرون ، هو حاجة السّلطات الحاكمة على المسلمين إلى إراءة حياة القدوات الإنسانية ، من الأنبياء والأصفياء ، بما لا يناقض حياتهم الغارقة في الشّهوات والمنهمكة في اتّباع هوى النفس.
وكان من أثر العاملين الأول والثاني ، أن أوّلت آيات من الذكر الحكيم إلى ما يبيّن صدور المعاصي من أنبياء الله وأصفيائه ، ووضعت روايات في انغماسهم في الملاهي والشهوات ، وأحيانا استفادوا من الأخبار الإسرائيليّة في ذلك مثل ما رووا عن داود وزوجة أوريا (١٣) ، إلى غيرها ، والكثير من أمثالها الّتي رووها في سيرة الأنبياء ؛ وقد مرّ بنا أمثلة ممّا رووا في سيرة أفضل الأنبياء وخاتمهم محمّد (ص). وفي هذا السبيل ، سبيل تسوية الأنبياء والأوصياء بغيرهم من البشر ، والقول بعدم وجود ميزة لهم عمّن سواهم ، أوّلوا آيات من الكتاب العزيز المصرّحة بمعجزات الأنبياء ، مثل خلق عيسى (ع) من الطّين طيرا بإذن الله ونظائره ، ووضعت روايات تتّفق وما يقولون به من عدم وجود ميزة لأصفياء الله عمّن سواهم من البشر.
وفي مقابل تلكم الأحاديث وتأويلات آيات كتاب الله ، بدافع العاملين المذكورين آنفا ، نجد في كتب التفسير والحديث والسّيرة أحاديث أخرى تدلّ على ميّزات أصفياء الله. فآمن بها طائفة من المسلمين ، وأوّلت آيات كتاب الله بما يوافق تلك الأحاديث. وأنتج ما ذكرناه رؤية خاصّة لصفات الله وصفات أنبيائه وعن العرش والكرسيّ وسائر المعارف الإسلاميّة تناقض
__________________
(١٣) راجع أخبار سيرة النبيّ داود (ع) في تاريخ الطبريّ وغيره.