الاسلام لم يتخلف منهم الا النادر ، وصارت بلادهم بلاد اسلام ، وصار من لم يسلم منهم تحت الجزية والذلة وكذلك اليهود أسلم أكثرهم ولم يبق منهم الا شرذمة قليلة مقطعة في البلاد فقول هذا الجاهل : «ان هاتين الامتين لا يحصى عددهم الا الله كفروا بمحمد صلىاللهعليهوسلم» كذب ظاهر وبهت مبين ، حتى لو كانوا كلهم قد أجمعوا على اختيار الكفر لكانوا في ذلك أسوة قوم نوح ، وقد أقام فيهم ألف سنة الا خمسين عاما يدعوهم الى الله ويريهم من الآيات ما يقيم حجة الله عليهم وقد أطبقوا على الكفر الا قليلا منهم كما قال تعالى : (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) [هود : ٤٠] وهم كانوا اضعاف اضعاف هاتين الامتين الكافرتين اهل الغضب وأهل الضلال ، وعاد اطبقوا على الكفر وهم أمة عظيمة عقلاء حتى استؤصلوا بالعذاب ، وثمود اطبقوا جميعهم على الكفر بعد رؤية الآية العظيمة التي يؤمن على مثلها البشر ومع هذا فاختاروا الكفر على الايمان كما قال تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) [فصلت : ١٧] وقال تعالى : (وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) [العنكبوت : ٣٨] فهاتان امتان عظيمان من اكبر الامم قد اطبقتا على الكفر مع البصيرة فامة الغضب والضلال اذ اطبقتا على الكفر فليس ذلك ببدع وهؤلاء قوم فرعون مع كثرتهم قد أطبقوا على جحد نبوة موسى مع تظاهر الآيات الباهرة آية بعد آية فلم يؤمن منهم الا رجل واحد كان يكتم ايمانه : وأيضا ، فيقال للنصارى : هؤلاء اليهود مع كثرتهم في زمن المسيح حتى كانوا ملأ بلاد الشام كما قال تعالى (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها) [الأعراف : ١٣٧] وكانوا قد أطبقوا على تكذيب المسيح وجحدوا نبوته ، وفيهم الاحبار والعباد والعلماء حتى آمن به الحواريون فاذا جاز على اليهود وفيهم الاحبار والعباد والزهاد وغيرهم الاطباق على جحد نبوة المسيح والكفر به مع ظهور آيات صدقه كالشمس جاز عليهم انكار نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، ومعلوم ان جواز ذلك على أمة الضلال الذين هم أضل من الانعام ، وهم النصارى أولى وأحرى ، فهذا السؤال الذي أورده هذا السائل وارد بعينه في حق كل نبي كذبته امة من الامم ، فان صواب هذا السائل رأى تلك الامم كلها فقد كفر بجميع الرسل ، وان قال ان