(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) [النساء : ١٧٤] ، وقوله : (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف : ١٥٧] ، ونظائره في القرآن كثيرة. وقوله «حتى ينقطع به العذر وتثبت به الحجة» مطابق لقوله تعالى : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء : ١٦٥] ، وقوله : (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً) [المرسلات : ١] ، إلى قوله : (فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً) [المرسلات : ١٥] ، وقوله : (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ). [القصص : ٤٧] ، وقوله : (أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ ، أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) [الأنعام : ١٥٦ ـ ١٥٧] ، فالحجة إنما قامت على الخلق بالرسل ، وبهم انقطعت المعذرة ، فلا يمكن من بلغته دعوتهم وخالفها أن يعتذر إلى الله يوم القيامة إذ ليس له عذر يقبل منه.
(فصل) وهذه البشارة مطابقة لما في صحيح البخاري أنه قيل لعبد الله بن عمرو أخبرنا ببعض صفات رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، في التوراة ، فقال : «إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) [الأحزاب : ٤٥] ، وحرزا للأميين ، أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يجزي بالسيئة الحسنة ويعفو ويغفر ، ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء فافتح به أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا : بأن يقولوا لا إله إلّا الله» وقوله : إن هذا في التوراة» لا يريد به التوراة المعينة التي هي كتاب موسى ؛ فإن لفظ التوراة والإنجيل والقرآن والزبور يراد به الكتب المعينة تارة ، ويراد به الجنس تارة. فيعبر بلفظ القرآن عن الزبور ، وبلفظ التوراة عن القرآن ، وبلفظ الإنجيل عن القرآن أيضا وفي الحديث الصحيح عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «خفف على داود القرآن فكان ما بين أن تسرج دابته إلى أن يركبها يقرأ القرآن» فالمراد به قرآنه وهو الزبور ، وكذلك قوله في البشارة التي في التوراة : «نبيا أقيم لبني إسرائيل من إخوتهم ، أنزل عليه توراة مثل توراة موسى ، وكذلك في صفة أمته صلىاللهعليهوسلم ،