في الكتب المتقدمة «أنا جيلهم في صدورهم» فقوله : «اخبرني بصفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، في التوراة» إما أن يريد التوراة المعينة أو جنس الكتب المتقدمة ، وعلى التقديرين فأجابه عبد الله بن عمرو بما هو في التوراة أي التي هي أعم من الكتاب المعين ، فإن هذا الذي ذكره ليس في التوراة المعينة بل هو في كتاب أشعيا كما حكيناه عنه ، وقد ترجموه أيضا بترجمة أخرى فيها بعض الزيادة : «عبدي ورسولي الذي سرت به نفسي ، أنزل عليه وحيي فيظهر في الأمم عدلي ويوصيهم بالوصايا ، لا يضحك ، ولا يسمع صوته في الأسواق ، يفتح العيون العور ، والآذان الصم ، ويحيي القلوب الغلف ، وما أعطيه لا أعطيه أحدا ، يحمد الله حمدا جديدا يأتي به من أقطار الأرض ، وتفرح البرية وسكانها ، يهللون الله على كل شرف ، ويكبرونه على كل رابية ، لا يضعف ، ولا يغلب ، ولا يميل إلى الهوى ، مشفح ، ولا يذل الصالحين الذين هم كالقصبة الضعيفة ، بل يقوى الصديقين ، وهو ركن المتواضعين ، وهو نور الله الذي لا يطفى ، أثر سلطانه على كتفيه» ، وقوله : «مشفح» بالشين المعجمة والفاء المشددة بوزن مكرم ، وهي لفظة عبرانية مطابقة لاسم محمد معنى ولفظا مقاربا كمطابقة موذ موذ بل أشد مطابقة ، ولا يمكن العرب أن يتلفظوا بها بلفظ العبرانية فإنها بين الحاء والهاء ، وفتحة الفاء بين الضمة والفتحة ، ولا يستريب عالم من علمائهم منصف أنها مطابقة لاسم محمد ، قال أبو محمد بن قتيبة «مشفح» محمد بغير شك ، واعتباره أنهم يقولون : شفحا لاها. إذا أرادوا أن يقولوا الحمد لله ، إذا كان الحمد شفحا فمشفح محمد بغير شك ، وقد قال لي ولغيري بعض من أسلم من علمائهم «إن مئذمئذ» هو محمد ، وهو بكسر الميم والهمزة ، وبعضهم يفتح الميم ويدنيها من الضمة قال : ولا يشك العلماء منهم بأنه محمد وإن سكتنا عن إيراد ذلك ، وإذا ضربنا عن هذا صفحا فمن هذا الذي انطبقت عليه وعلى أمته هذه الصفات سواه؟! ومن هذا الذي أثر سلطانه وهو خاتم النبوة على كتفيه رآه الناس عيانا مثل زر الحجلة؟!! فما ذا بعد الحق إلا الضلال ، وبعد البصيرة إلا العمى (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) [النور : ٤٠] ، فصفات هذا النبي ومخرجه ومبعثه وعلاماته وصفات أمته في كتبهم يقرءونها في كنائسهم ويدرسونها في مجالسهم لا ينكرها منهم عالم ولا يأباها جاهل ، ولكنهم