وبعدها مملكة قوية مثل الحديد ، وأما الرجلان اللذان رأيت من خزف فمملكة ضعيفة ، وأما الحجر العظيم الذي رأيته دق الصنم ففتته فهو نبي يقيمه إله الأرض والسماء بشريعة قوية فيدق جميع ملوك الأرض وأممها حتى تمتلئ الأرض منه ومن امته ، ويدوم سلطان ذلك النبي إلى انقضاء الدنيا فهذا تعبير رؤياك أيها الملك. ومعلوم أن هذا منطبق على محمد بن عبد الله حذو القذة بالقذة ؛ لا على المسيح ولا على نبي سواه ، فهو الذي بعث بشريعة قوية ودق جميع ملوك الأرض وأممها حتى امتلأت الأرض من أمته ، وسلطانه دائم إلى آخر الدهر ، لا يقدر أحد أن يزيله كما أزال سلطان اليهود من الأرض ، وازال سلطان النصارى عن خيار الأرض ووسطها فصار في بعض أطرافها وأزال سلطان المجوس وعباد الأصنام وسلطان الصابئين.
(فصل الوجه الثامن والعشرون) قول دانيال أيضا : «سألت الله وتضرعت إليه أن يبين لي ما يكون من بني إسرائيل ، وهل يتوب عليهم ويرد إليهم ملكهم ويبعث فيهم الأنبياء أو يجعل ذلك في غيرهم ، فظهر لي الملك في صورة شاب حسن الوجه فقال : السلام عليك يا دانيال ، إن الله يقول إن بني إسرائيل اغضبوني وتمردوا عليّ وعبدوا من دوني آلهة أخرى ، وصاروا من بعد العلم إلى الجهل ، ومن بعد الصدق إلى الكذب ، فسلطت عليهم بختنصر فقتل رجالهم وسبى ذراريهم وهدم مسجدهم ، وحرق كتبهم ، وكذلك يفعل من بعده بهم ، وأنا غير راض عنهم ، ولا مقيلهم عثراتهم ، فلا يزالون في سخطي حتى ابعث مسيحي ابن العذراء البتول فأختم عليهم عند ذلك باللعن والسخط ، فلا يزالون ملعونين عليهم الذلة والمسكنة حتى أبعث نبي بني إسماعيل الذي بشرت به هاجر ، وارسلت إليها ملاكي فبشرها ، فأوحي إلى ذلك النبي ، وأعلمه الأسماء ، وأزينه بالتقوى ، واجعل البر شعاره ، والتقوى ضميره ، والصدق قوله ، والوفاء طبيعته ، والقصد سيرته ، والرشد سنته ، اخصه بكتاب مصدق لما بين يديه من الكتب ، وناسخ لبعض ما فيها ، اسري به إلي ، وأرقيه من سماء إلى سماء حتى يعلو فأدنيه وأسلم عليه ، وأوحي إليه وأرقيه ثم أرده إلى عبادي بالسرور والغبطة ، حافظا لما استودع ، صادقا بما أمر ، يدعو إلى توحيدي باللين من القول