وضعت كلكل العرب ، وكسرت قرن ربيعة ومضر ، ووطئت جبابرة قريش (١) ؛ لقد وضعني الله في حجر المصطفى وأنا ابن أربع سنين ، يضمني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويمسني جسده وعرقه ، ويقبلني فأمص ريق حكمته ، وآكل في قصعته وألعق أصابعه حتى كان يمضغ الشيء ويلقمني من فيه ، وأنا أصف لك من علاماته صلىاللهعليهوآلهوسلم :
لقد قرن الله به أكرم ملائكته وأقربها إليه ، ومنه يكون الوحي إسرافيل عليهالسلام كان معه ليله ونهاره ، ولقد كان يرفع رأسه نحو السماء ، ولما أتاه الوحي من أول الليل إلى آخره كأنما ينتظر شيئا ، فأنا أول من رأى نور الوحي وشم ريح النبوة.
[أولا : قصة بقرة آل ذريح]
هذه بقرة آل ذريح صاحت في أول ما أتاه الوحي بلسان الآدميين صياحا (٢) عاليا ، وقد اجتمع القوم ليوم عيدهم ، فجاءت تعدو حتى وقفت على الجمع وهي تقول : يا أهل ذريح صائح يصيح من بطن هذا القبيل ، هاشم وما هاشم هشم الثريد ليوم عصيب ، لا إله إلّا الله محمد رسول الله ، جاءه الوحي المبين كلام رب العالمين ، يغلب القبيل ويذبح الضليل ، ويؤذّن بأذان إبراهيم الخليل ، بعث بالذبح والذبيح ، والملك الفسيح ؛ ها هو ذا عجلوا قول :
__________________
(١) لا خلاف بين المسلمين كافة ـ إلّا النواصب ـ أن الدّين إنما مهدت قواعده وشيدت أركانه بسيف أمير المؤمنين علي عليهالسلام ، فلم يسبقه في ذلك سابق ولا لحق به لاحق ، ولا ينكر ذلك إلّا منافق ، طبقا لما قاله فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا يحبك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق» ، وله العديد من المواقف ، ففي يوم الهجرة ، نام في مكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وفي غزوة بدر برز لصناديد كفرة قريش ؛ إذ بارز الوليد بن عتبة ، وكان شجاعا جريئا فقتله كما قتل العاص بن سعيد بن العاص بعد أن أحجم عنه الناس ، وبرز إليه حنظلة بن أبي سفيان فقتله ، ثم طعن ابن عدي ثم نوفل بن خويلد ، وفي غزوة أحد جعل رسول الله صلىاللهعليهوآله وآله وسلّم لواء المسلمين بيد أمير المؤمنين ، وكان لواء الكفار بيد طلحة بن أبي طلحة ، فضربه علي عليهالسلام فندرت عينه ، وصاح صيحة عظيمة ، وسقط اللواء من يده ، كما دافع عن النبي بكل شجاعة وبطولة لا تقارن ، وفي الخندق كان له ذلك الموقف الذي لا ينسى بقتله عمرو بن عبد ود ، وفي غزوة خيبر كان الفتح على يديه كما هو المشهور ، وفي غزوة تبوك خلفه رسول الله صلىاللهعليهوآله وآله وسلّم على المدينة ، وقال : «إن المدينة لا تصلح إلّا بي أو بك» إلى غير ذلك من المواقف الشهيرة اكتفينا بما سبق خشية التطويل.
(٢) نهاية الصفحة [٣٧ ـ أ].