وأتى الحسين أهل بيته فقالوا : نحن معك حيث أخذت (١) ، فخرج من عندهم فاستقبله مروان ، فقال : يا أبا عبد الله (٢) أطعني وبايع أمير المؤمنين يزيد (٣).
[زيارة ووداع الحسين لقبر جده المصطفى]
فاسترجع الحسين عليهالسلام وقال : ويلك يا مروان ، مثلك يأمرني بطاعته ، وأنت اللعين ابن اللعين على لسان رسول الله فراده مروان فخرج مغضبا ، حتى دخل على أخيه محمد بن الحنفية وودعه وبكيا حتى اخضلت لحاهما ، وتهيأ ابن الحنفية للخروج معه فجزاه خيرا ، وأمره بالتخلف ينتظر ما يرد عليه من أمره ، فلما كان بعض الليل أتى قبر رسول الله فودعه وصلّى ما شاء الله وغلبته عيناه (٤) ، فرأى كأن رسول الله صلّى (٥) الله عليه وآله وسلّم في محتوشين به فاحتضنه وقبل بين عينه وقال : يا بني العجل العجل ، تأتي يا بني إلى جدك وأبيك وأمك وأخيك (٦).
__________________
(١) في (ب ، ج) : نحن معك أين أخذت.
(٢) في (ب ، ج) : أبا عبد الله.
(٣) انظر : حياة الحسين للقرشي (٢ / ٢٥٣ ـ ٢٥٨).
(٤) في (أ) : (وصلّى وانصرف ثم غلبته عيناه).
(٥) نهاية الصفحة [١٩١ ـ أ].
(٦) عند ما أصدر يزيد أوامره المشددة إلى الوليد بأخذ البيعة من الإمام الحسين عليهالسلام رفض الوليد ما عهد إليه ، وقال : لا والله لا يراني الله قاتل الحسين بن علي ... لا أقتل ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولو أعطاني يزيد الدنيا بحذافيرها بعد كل ذلك وتحديدا ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب سنة ستين توجه الحسين عليهالسلام إلى مكة وقبل السفر زار قبر جده المصطفى وهو حزين كئيب ليشكو إليه ظلم الظالمين ، وكيد المتكبرين له ، ووقف أمام القبر الشريف بعد أن صلى ركعتين ، وقال : اللهم إن هذا قبر نبيك محمد ، وأنا ابن بنت محمد ، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت ، اللهم إني أحب المعروف وأنكر المنكر وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحق هذا القبر ، ومن فيه إلا ما أخذت لي ما هو لك رضى ولرسولك رضى) ، ثم جعل الحسين يبكي حتى إذا كان في بياض الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى ساعة فرأى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أقبل في كبكبة من الملائكة عن يمينه ، وعن شماله ، ومن بين يديه ، ومن خلفه حتى ضم الحسين إلى صدره ، وقبّل بين عينيه ، وقال : يا بني يا حسين كأنك عن قريب أراك مقتولا مذبوحا بأرض كرب وبلاء من عصابة من أمتي وأنت في ذلك عطشان لا تسقى وظمآن لا تروى وهم مع ذلك يرجون شفاعتي ، ما لهم لا أنالهم شفاعتي يوم القيامة ، فما لهم عند الله من خلاق حبيبي يا حسين ، إن أباك وأمك وأخاك قد قدموا عليّ وهم إليك مشتاقون ، وإن لك في الجنة درجات لن تنالها إلا بالشهادة) فجعل الحسين انظر في منامه إلى جده صلىاللهعليهوآلهوسلم ويسمع كلامه ، فانتبه الحسين من نومه فزعا مذعورا فقص رؤياه على أهل بيته ، وبني عبد المطلب فلم يكن ذلك اليوم في شرق ولا غرب أشد غما من أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا أكثر منه باكيا وباكية ، انظر : كتاب الفتوح للعلامة أبي محمد بن أعثم الكوفي (٥ / ٢٧ ـ ٢٩). حياة الحسين (٢ / ٢٥٩) وما بعدها.