فبلغ ذلك عمر بن الخطاب ، فأتى أبا بكر وهو بباب رسول الله ينتظر جهازهم له والصّلاة عليه ، فقال له (١) : إنك لغافل عما أسست الأنصار وأجمعوا عليه من الصفقة على يد سعد بن عبادة.
ثم تناول عمر يده فجذبه (٢) فأقامه حتى انتهى إلى سعد وقد عكفوا عليه وازدحموا حوله ، وتكلم أبو بكر فقال : يا معشر الأنصار أنتم الجيران والإخوان ، وقد سمعتم قول رسول الله : «إن هذا الأمر لا يصلح إلّا في قريش» ، وقد علمت العرب أنّا أوسطها دارا ، وأصبحها وجوها وأبسطها ألسنة ، وأن العرب لا تستقيم إلّا علينا» (٣).
فقال عمر : هات يدك يا أبا بكر أبايعك ، فمد أبو بكر يده فضرب عليها ، وضرب عليها بشير بن سعد ، ثم ثلث أبو عبيدة بن الجراح ، ثم تتابعت الأنصار.
فبلغ ذلك عليا عليهالسلام فشغله المصاب برسول الله عن القول لهم في ذلك ، واغتنموا تشاغله برسول الله فنظر علي لدين الله قبل نظره لنفسه ، فوجد حقه لا ينال إلّا بالسيف المشهور ، وتذكر ما هم به من حديث عهد (٤) بجاهلية ، فكره أن يضرب بعضهم ببعض ، فيكون في ذلك ترك الألفة ، فأوصى بها أبو بكر إلى عمر عن غير شورى ، فقام بها عمر وعمل في الولاية بغير عمل صاحبه ، وليس بيده منها عهد من رسول الله ولا تأويل من كتاب الله ، إلّا رأي توخاه هو فيه مفارق لرأي صاحبه ، فجعلها بين ستة نفر ، ووضع عليهم أمناء أمرهم إن هم اختلفوا أن يقتلوا الأقل (٥) من الفئتين ، وصغّروا من أمرهم ما عظّم الله ، وصاروا سببا لولاة السوء وسدت عليهم أبواب التوبة ، واشتملت عليهم النار بما فيها ، والله جل ثناؤه بالمرصاد (٦) ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم (٧).
__________________
(١) في (أ) : فقال فقط.
(٢) نهاية الصفحة [٢٣٨ ـ أ].
(٣) في (ب ، ج ، د) : وجها وأبسطها لسانا.
(٤) في (د) : لهم به حديث عهد.
(٥) في (ب) : أقل.
(٦) نهاية الصفحة [٢٣٩ ـ أ].
(٧) ساق حميد الشهيد الرسالة في مؤلفه الحدائق الوردية ، (١ / ١٥٧ ـ ١٦١).