أظهرهم شهرا ، آمرا بالمعروف ، وناهيا عن المنكر ، عاملا بكتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم فوجدهم نافرين منه مزورّين (١) عنه قد ثقل عليهم الحق ومالوا إلى الباطل ، واتبعوا الهوى فجهد رضي الله عنه في تقويمهم ورياضتهم ، وحرص على إرشادهم وهدايتهم (٢) ، فتصعبوا عليه ولم يجد فيهم إلى ما حاول مساغا ، ولا إلى تقويمهم وإصلاحهم سبيلا ، فلم ير فيما بينه وبين الله تعالى المقام بين أظهرهم ، فانصرف عنهم على سبيل خفية ، واتخذ الليل جملا ، وانشمر إلى بلاده (٣) ، وأغذ المسير وطوى المراحل والمنازل حتى عاد إلى وطنه من أرض الحجاز ، فأقام بها مع جماعة أهله جاريا على عادته في طلب العلم والنظر في الحلال والحرام والسنن والأحكام والآثار والأخبار مجدا له مواظب عليه.
[توجه الوفد إلى الإمام الهادي (ع) مرة أخرى]
فندم أهل اليمن على ما فرط «منهم» (٤) من مخالفته ، والعدول عن أمره ، وتلاوموا بينهم ، واتفقوا على أن يوجهوا إليه من كل قبيلة رجالا معروفين من خيارهم وصلحائهم فيسألونه العودة إليهم ، ويعلمونه ندمهم على ما فرط منهم ، والتوبة والإنابة مما قد أقدموا عليه من ترك طاعته ، وأنهم قد تعاقدوا وعاهدوا الله عزوجل على أن يأتمروا بأمره ويسارعوا إلى نصرته ويبادروا إلى ما يدعوهم إليه ويبعثهم عليه ويندبهم له من مجاهدة الظالمين ومنابذة الفاسقين.
فقدم الوفد عليه وأدوا إليه ما تحملوا عمن ورائهم من جماعتهم ، وسألوا وتضرعوا وألحوا ، فلم ير الهادي رضي الله عنه أن يتقاعد عنهم ويتأخر عما دعوه إليه وبعثوه عليه ، فصرف الوفد عنه أحسن صرف ، ووعدهم أن يخرج إليهم ولا يتأخر عنهم ، وأقام بعد خروجهم من عنده
__________________
(١) أي مائلين عنه ومنحرفين عما يدعو إليه.
(٢) نهاية الصفحة [٣٦٠ ـ أ].
(٣) أي انصرف عنهم ، وصار إلى بلده الحجاز جبل الرس ، تقول : شمّر في الأمر خف ونهض ، وللأمر تهيأ ، وأشمر الدابة ساقها وأعجلها. وانشمر مطاوع شمره ، أي مرّ جادّا ، انظر معاجم اللغة.
(٤) ساقط في (أ).