[شجاعته وبعض حروبه]
وكان رضي الله عنه شجاعا بطلا مقداما نجدا قويا أيدا ، شديد البطش ، لم يكن في زمانه له شبيه ولا نظير ، ولا في البأس والنجدة مثيل ، ولا عديل ، وله وقائع مشهورة ، وأيام معروفة ومقامات محمودة ، وحروب معلومة ، قتل فيها صناديد الفرسان بيده ، وهزم الجمع الكثير ، والجم الغفير بالقدر اليسير ، وله ضربات مشهورة قد ذاع نبؤها ، وشاع خبرها في القريب والبعيد ، ضرب رجلا من بني الحارث بن كعب في بعض أيامه بسيفه في وسطه فقده نصفين ، وطعن فارسا في بعض حروبه في ظهره وعليه الدرع فأنفذ السنان من صدره ووصل (١) إلى قربوس سرجه فهشمه وحطمه.
وتداعت في بعض مغازيه عليه جماعة لا تحصى كثرة من بني الحارث (٢) وغيرهم وهجموا عليه ، وهو غار غافل وهو في دار من دور قرية تعرف بهجر في نجران (٣) فتفرق عنه أصحابه وخذله أكثرهم ولم يبق معه إلّا نفر (٤) من المهاجرين من أهل طبرستان من الكلارية والديالم (٥) ، فلبس سلاحه وركب فرسه وأمر بفتح باب الدار وخرج منها فحمل على القوم ، فضرب رجلا فأبان رأسه عن جسده ، وطعن آخر فنكسه صريعا ، وطعن آخر فألقاه على
__________________
(١) في (أ) : وأنفذ.
(٢) نهاية الصفحة [٣٦٣ ـ أ].
(٣) هي هجر نجران.
(٤) في (ب) : نفير.
(٥) نسبة إلى كلار ، وكلار مدينة في طبرستان ، وهي مما يلي الترمذ ، وبها أكراد وديلم وهم أهل فروسية ونجدة ، وكان بها جعفر ومحمد ابنا رستم ، وهما صاحبا ثغور طبرستان اللذان أقاما دولة الحسن بن زيد ، والديلم قبيلتان ، وخلفهم قبيل يقال لهم الجيل ، وقبيل يقال لهم الديلم ، والجيل ؛ وهم أهم الجبال خاصة ، انظر الروض المعطار ص (٤٩٤) ، نزهة المشتاق (٢٠٧) ، وياقوت «المعجم» مادة (كلار) ، وتقويم البلدان (٤٣٠) ، مختصر كتاب البلدان لابن الفقيه تحقيق دي خويه. ليدن ١٨٨٥ م ص (٣٠٣). أمّا الديالمة فنسبة إلى الديلم ، والديلم متحصنون في جبال لهم منيعة وجبالهم ونواحيهم كثيرة المطر والشجر ، وأكثر ذلك في وجه الجبل الذي يقابل البحر ، وطبرستان وهم أهل زروع وسوائم ، وكان الديلم كفارا إلى مدة الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب فداخلتهم العلوية فأسلم أكثرهم.
الروض المعطار (٢٥٥) ، وقد سبق التنويه إلى طبرستان ، وأمّا في وقت الإمام الهادي إلى الحق يحيي بن الحسين رضي الله عنه فقد خرج معه الكثير من أهل الكلارية والديلم وطبرستان إلى اليمن في خرجته الثانية مناصرين له ومؤازرين له في قيامه ضد الظلم ، وإصلاح ما أفسدته العصبية القبلية في اليمن وما قد ظهرت من انتهاكات سلبية لدين الله بظهور القرامطة وعلى رأسهم علي بن الفضل.