عنق فرسه ، فأفرجوا له حتى توسط جمعهم فاعتورته الرماح وأخذته السيوف ، فخرج من بينهم وقد أصابته جراحات ، ثم عطف عليهم وحده ، فاستقبله رئيس القوم مبارزا له حنقا عليه فضربه بسيفه ، ضربة على عاتقه ، وعليه الدرع فقده حتى وصل السيف إلى حشوة بطنه فخر ميتا ، وثابت إليه جماعة من أصحابه لما عاينوا ثباته ومقاومته وحده مع ذلك الجمع الكثير ، وثبتوا معه فمنحه الله أكتاف عدوه (١) فانهزموا ما بين قتيل وأسير.
وبلغني أنه رضي الله عنه قال بعد ذلك : لما ضربت رئيس القوم تلك الضربة رفعت سيفي عنه لأضربه فوجدت ريح الضربة ، فعلمت أن الله قد قتله وقويت بذلك منتي (٢) وأفرغ الله علي الصبر «وأيدني بالنصر» (٣) وانهزم العدو ، وله رضي الله عنه سوى ما ذكرت مواقف كريمة ووقائع في أعداء الله مشهورة لا تحصى كثرة.
وبلغني أنه كان يضرب بسيفه عنق البعير البازل الغليظ فيبينه عن (٤) جسده ، وكان يأخذ (٥) قوائم البعير المسن القوي فلا يقدر البعير وإن جهد على النهوض.
[علمه وزهده وفضله]
وكان مع هذا مجتهدا عابدا يصوم أكثر أيامه ، ويحيي أكثر ليله «تهجدا وصلاة» (٦) ، ويتجزى بالقليل من الطعام ، قد شرى نفسه لله وهان عليه ما يلقى من المحن والأهوال ، ويقاسي من الشدائد من مخالفة أهل اليمن له مرة بعد أخرى ، وثانية بعد أولى ، ونقضهم العهود المؤكدة ، والمواثيق المغلظة ، ونكثهم الأيمان بعد توكيدها ، وخروجهم من طاعته ، ومحاربتهم له ومعاونتهم أعداءه عليه ، وتقويتهم إياهم بالأموال سرا وإعلانا ، لم يقاس أحد من الأئمة رضوان الله عليهم بعد محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن مثله.
__________________
(١) في (أ) : أكتافهم.
(٢) المنّة بالضم ويعني بها القوة ، يقال : ليس لقلبه منة ، والجمع منن ، انظر المعجم الوسيط مادة : (من).
(٣) ساقط في (أ).
(٤) في (أ، د) : من.
(٥) نهاية الصفحة [٣٦٤ ـ أ].
(٦) ساقط في (أ).