أيديهم وقت وفاته ، وفتّ في أعضادهم وذهلت عقولهم ، وخافوا على نفوسهم وأهاليهم وأولادهم الهلكة (١) من غلبة القرامطة ، وأهل البدع في استيلائهم على بلادهم ، وألحوا على المرتضى في أخذ بيعتهم ، وانثالوا عليه من كل فج عميق ، وقالوا له : لا يسعك خذلاننا ولا يجوز بينك وبين ربك التقاعد عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدفع عن المظلومين ، ونحن أجنادك وأولياؤك على الحق ، نفديك بأنفسنا ونواسيك بأموالنا حتى تقيم كتاب الله ، وتحكم بسنة رسول الله وتحيي ما أماته الفاسقون من شرائع دينه ، فدافعهم المرتضى أحسن دفع وخاطبهم بأجمل المخاطبة ، وعاتبهم أبلغ المعاتبة على ما كان من تفريطهم وتقصيرهم في معاونة الهادي (٢) رضي الله عنه على الحق ونصرته على أهل الباطل ، وامتنع مما دعوه إليه من جميل (٣) ولم يؤيسهم منه إياسا قاطعا.
وقال لهم فيما كان يخاطبهم به : أنتم معاشر المسلمين على خير ، ولم تعدموا إن شاء الله ما تريدونه منا ، ولكن لنا عليكم شروط نشترطها ، وأمور من الحق نصفها ونبينها لكم ، ولا يصلح الدخول في مثل هذا الأمر بالعجلة ، ولا يجوز الإقدام عليه بالتعسف ، بل نقفكم من الأمر على صحته ، ونناظركم على ما يجب علينا وعليكم من فرض الله عزوجل وحكمه فينا وفيكم ، ولكم إلينا عودة إن شاء الله.
فلما أصبح الناس قصدوا بأجمعهم باب المرتضى فكثر جمعهم وامتلأت المحال والأسواق والطرق والمساجد منهم ، فخرج إليهم المرتضى عليهالسلام وعليه السكينة والوقار وسيماء الأئمة الأبرار ، فلما بصر الناس به ووقعت أعينهم عليه ارتفعت أصواتهم وأجهشوا بالبكاء ودعوا بالويل والثبور ، فسكن منهم المرتضى فلما سكتوا وسكنت (٤) أصواتهم ، قال : جزاكم الله من أهل محبة وولاية خيرا ، ونعم الإمام كان لكم الهادي رضي الله عنه الناصح لكم
__________________
(١) في (أ، د) : المهلكة.
(٢) نهاية الصفحة [٣٦٩ ـ أ].
(٣) في (ب ، ج ، د) : مما دعوه إليه على جميل.
(٤) في (أ) : سكتت.