رسول الله (ص) أمر بما في العسكر ممّا جمع الناس فجمع فاختلف المسلمون فيه ، فقال من جمعه : هو لنا ، وقال الّذين كانوا يقاتلون العدوّ ويطلبونه : والله لو لا نحن ما أصبتموه ، لنحن شغلنا عنكم القوم حتّى أصبتم ما أصبتم ، وقال الذين كانوا يحرسون رسول الله (ص) مخافة أن يخالف إليه العدوّ : والله ما أنتم بأحقّ به منّا ، لقد رأينا أن نقتل العدوّ إذ منحنا الله أكتافهم ، ولقد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه ، ولكنا خفنا على رسول الله (ص) كرّة العدوّ ، فقمنا دونه ، فما أنتم بأحقّ به منّا.
وروى ابن هشام ـ أيضا ـ عن عبادة بن الصامت أنّه قال عن سورة الأنفال : «فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا ، فنزعه الله من أيدينا فجعله إلى رسول الله (ص) فقسّمه بين المسلمين على السواء».
وروى عن أبي أسيد الساعدي قال : أصبت سيف بني عائذ المخزوميين ويسمّى المرزبان يوم بدر فلمّا أمر رسول الله (ص) الناس أن يردّوا ما في أيديهم من النفل أقبلت حتّى ألقيته في النفل.
قال ابن هشام : ثمّ أقبل رسول الله (ص) قافلا إلى المدينة ومعه الأسارى من المشركين حتّى إذا خرج من مضيق الصفراء نزل على كثيب ، فقسّم هنا لك النفل الذي أفاء الله على المسلمين من المشركين على السواء (١).
نفهم من كلّ ما سبق أن الله سبحانه حين استعمل لفظة الأنفال في الآية الكريمة قصد منها معناها اللغوي وهو الهبة والعطيّة ، أي أنّ ما استوليتم عليها من أموال العدى ليس من باب السلب والنهب وفق قواعد الجاهلية لتتملكوه ، بل هو عطاء من الله ، ثمّ هو لله ولرسوله وعليكم أن تردّوه إلى رسوله ليعمل فيه وفق رأيه.
ومن هنا نعرف المناسبة في ما استعملت فيه لفظة الأنفال بأحاديث أئمة أهل
__________________
(١) سيرة ابن هشام ٢ / ٢٨٣ ـ ٢٨٦ ، وفي طبعة أخرى ٢ / ٢٩٦ وتفسير الآية بتفسير الطبري وغيره.
وعبادة بن الصامت : أبو الوليد الأنصاري الخزرجي ، شهد العقبة الأولى والثانية ومشاهد رسول الله كلّها ، وكان أحد نقباء الأنصار وممن حفظ القرآن على عهد النبي ، توفي سنة ٣٤ أو ٤٥ بالرملة أو بيت المقدس ، ترجمته بأسد الغابة ٣ / ١٠٧.
وأبو أسيد مالك بن ربيعة الأنصاري الخزرجي ، شهد بدرا وما بعدها ، اختلف في وفاته أكانت في ستين أو خمس وستين للهجرة ، ترجمته بأسد الغابة ٤ / ٢٧٩.
وبنو عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم من قريش ، نسبهم في : نسب قريش لمصعب الزبيري ص ٢٩٩.
ومضيق الصفراء بوادي الصفراء بينه وبين بدر مرحلة. معجم البلدان.