نقول : إنّ الّذي أصابه سهم من المظفور به سواء من حضر الغزوة أو من لم يحضرها ، ظفر به بلا مشقّة لأنّه ظفر به من يد رسول الله وليس من الغزو ، وصحّ بهذا الاعتبار أن نحسب المظفور به من نوع «الغنيمة والمغنم» بعد ما كانت الغنيمة والمغنم لدى العرب تدلّان على ما ظفر به بلا مشقّة من غير جهة العدى ، وكان للذي ظفر به من جهة العدى تسميات أخرى ذكرناها في ما سبق. وبهذا الاعتبار نزلت آية (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) في هذه الغزوة بعد نزول آية الأنفال بصدر السورة ، أو نزلت في غزوة أحد ، وأصبح للغنيمة بعد نزول هذه الآية معنيان :
١ ـ معنى لغوي : وهو الفوز بالشيء بلا مشقّة ، وليس من ضمنه المظفور به من جهة العدى ، فان له تسميات خاصّة وهي : السلب والنهب والحرب.
٢ ـ معنى شرعي : وهو «ما ظفر به من جهة العدى وغيرهم». كما فسّره الراغب ، وهكذا جعل الإسلام أسلاب الحرب من مصاديق المغنم بعد أن لم تكن من مصاديقه.
ووجدنا الغنيمة والمغنم مستعملين في الحديث والسيرة ، في معناهما اللغويّ تارة ، كما يستعمل اللفظ في معناه الحقيقي دون ما حاجة إلى قرينة كما مرّ بنا سابقا. وتارة في معناهما الشرعي مع وجود قرينة في الكلام ، أو في حال التخاطب تدلّ على المعنى الشرعي المقصود.
هكذا استعمل اللفظان في المعنيين حتّى عصر انتشار الفتوح على عهد الخليفة عمر فما بعد حيث كثر استعمال مشتقات مادة «غنم» في ما ظفر به من جهة العدى خاصّة مع وجود قرائن حالية أو مقالية تدلّ على هذا القصد. وعند ما جاء اللغويون بعد ذلك ، واستقرءوا موارد استعمال مادّة «غنم» لدى العرب في عصرهم فما فوق ، وجدوها مستعملة كما يلي :
أ ـ في الفوز بالشيء بلا مشقة ، في العصر الجاهلي وصدر الإسلام لدى العرب عامّة.
ب ـ في الفوز بالشيء من جهة العدى وغيرهم ، بعد نزول آية الخمس لدى المسلمين خاصّة منذ عصر الرسول حتى عصر الصحابة.
ج ـ في ما ظفر به من جهة العدى خاصّة ، في عصر الفتوح مع قرائن لم ينتبه إليها ، ثمّ استعملت متدرّجا إلى عصر اللغويين بلا قرينة في المجتمع الإسلامي خاصّة