فقال علي : هذا كتاب الله ينطق! فسكتوا وانصرفوا (١).
نرى في هذه الرواية وهما من الرواة وأن العباس لم يأت مع علي ليطلبا إرثا ، وإنّما جاءا ليعينا فاطمة. ولعلّ العباس طالب بسهمه من الخمس ، فالتبس الأمر على الرواة ، وذكروا أنّه جاء يطلب الميراث.
* * *
لمّا أدلت فاطمة بكلّ ما لديها من دليل وشهود وأبى أبو بكر أن يقبل منها ويعطيها شيئا من تركة الرسول ومنحته ، رأت أن تبسط الخصومة على ملاء من المسلمين ، وتستنصر أصحاب أبيها ، فذهبت إلى مسجده كما رواه المحدّثون والمؤرخون.
في سقيفة أبي بكر الجوهري برواية ابن أبي الحديد وبلاغات النساء لأحمد بن أبي طاهر البغدادي واللفظ للأوّل : لمّا بلغ فاطمة إجماع أبي بكر على منعها فدك ، لاثت خمارها على رأسها ، واشتملت جلبابها ، وأقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (ص) حتّى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، فنيطت دونها ملاءة ثمّ أنّت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء وارتجّ المجلس ، ثمّ أمهلت هنيئة حتّى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم ، افتتحت كلامها بالحمد لله عزوجل والثناء عليه ، والصلاة على رسول الله ، ثمّ قالت : أنا فاطمة ابنة محمّد ، أقول عودا على بدء ، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم ، فإن تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم وأخا ابن عمّي دون رجالكم ، ثم استرسلت في خطبتها إلى قولها :
ثمّ أنتم الآن ، تزعمون أن لا إرث لنا (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ، يا ابن أبي قحافة! أترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئا فريّا فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله والزعيم محمّد (ص) والموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون. ثمّ انكفأت إلى قبر أبيها (ع) تقول : قد كان بعدك أنباء وهنبثة ... الأبيات (٢)
قال : ولم ير الناس أكثر باك ولا باكية منهم يومئذ ، ثم عدلت إلى مسجد الأنصار ، فقالت :
__________________
(١) راجع الهامش ٣ من الصفحة السابقة.
(٢) شرح النهج ٤ / ٧٨ ـ ٧٩ ، وص ٩٣ منه وبلاغات النساء ص ١٢ ـ ١٥.