يا معشر البقيّة وأعضاد الملّة وحضنة الإسلام! ما هذه الفترة عن نصرتي ، والونية عن معونتي ، والغمزة في حقّي ، والسنة عن ظلامتي؟! أما كان رسول الله (ص) يقول : «المرء يحفظ في ولده»؟ سرعان ما أحدثتم وعجلان ما أتيتم ، ألأن مات رسول الله (ص) أمتم دينه!؟ ها ، إنّ موته لعمري خطب جليل ، استوسع وهنه ، واستبهم فتقه ، وفقد راتقه ، واظلمت الأرض له ، وخشعت الجبال ، وأكدت الآمال ، اضيع بعده الحريم ، وهتكت الحرمة ، وازيلت المصونة ، وتلك نازلة أعلن بها كتاب الله قبل موته ، وأنبأكم بها قبل وفاته ، فقال : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ).
إيها بني قيلة اهتضم تراث أبي وأنتم بمرأى ومسمع تبلغكم الدعوة ، ويشملكم الصوت ، وفيكم العدّة والعدد ، ولكم الدار والجنن ، وأنتم نخبة الله الّتي انتخب ، وخيرته الّتي اختار. باديتم العرب ، وبادهتم الأمور ، وكافحتم البهم ، حتّى دارت بكم رحي الإسلام ، ودرّ حلبه وخبت نيران الحرب ، وسكنت فورة الشرك ، وهدأت دعوة الهرج واستوثق نظام الدين ، أفتأخرتم بعد الإقدام؟! ونكصتم بعد الشدّة ، وجبنتم بعد الشجاعة عن قوم نكصوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم «فقالوا أئمّة الكفر إنّهم لا أيمان لهم لعلّهم ينتهون».
ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض ، وركنتم إلى الدعة ، فجحدتم الّذي وعيتم ودسعتم الّذي سوغتم ، وإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإنّ الله لغنيّ حميد.
ألا وقد قلت لكم ما قلت على معرفة منّي بالخذلة الّتي خامرتكم ، وخور القناة وضعف اليقين ، فدونكموها فاحتووها مدبرة الظهر ، ناقبة الخفّ ، باقية العار ، موسومة الشعار موصولة بنار الله الموقدة الّتي تطلع على الأفئدة ، فبعين الله ما تعملون ، وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.
قال : وحدّثني محمّد بن زكريا ، قال : حدثنا محمّد بن الضحاك ، قال : حدثنا هشام بن محمّد ، عن عوانة بن الحكم ، قال لمّا كلّمت فاطمة (ع) أبا بكر بما كلمته به ، حمد الله أبو بكر وأثنى عليه وصلّى على رسول ثمّ قال : يا خيرة النساء وابنة خير الآباء ، والله ما عدوت رأي رسول الله (ص) ، وما عملت إلّا بامره ، وإنّ الرائد لا يكذب أهله ، وقد قلت فأبلغت وأغلظت فأهجرت فغفر الله لنا ولك ، أما بعد فقد دفعت آلة رسول الله ودابّته وحذاءه إلى علي (ع) ، وأمّا ما سوى ذلك فإنّي سمعت