والقرابة به أولى ، من استنّ سنته ونفّذ أمره وسلّم لمن منحه منحة وتصدق عليه بصدقة منحته وصدقته وبالله توفيق أمير المؤمنين وعصمته وإليه في العمل بما يقرّبه إليه رغبته. وقد كان رسول الله (ص) أعطى فاطمة بنت رسول الله (ص) فدك وتصدق بها عليها وكان ذلك أمرا ظاهرا معروفا لا اختلاف فيه بين آل رسول الله (ص) ، ولم تزل تدعي منه ما هو أولى به من صدّق عليه فرأى أمير المؤمنين أن يردها إلى ورثتها ويسلمها إليهم تقربا إلى الله تعالى بإقامة حقّه وعدله وإلى رسول الله (ص) بتنفيذ أمره وصدقته فأمر بإثبات ذلك في دواوينه والكتاب به إلى عماله.
فلئن كان ينادي في كلّ موسم ـ بعد أن قبض الله نبيه (ص) ـ أن يذكر كلّ من كانت له صدقة أو هبة أو عدة ذلك فيقبل قوله وينفذ عدته ، إنّ فاطمة (رض) لأولى بأن يصدّق قولها فيما جعل (ص) لها وقد كتب أمير المؤمنين إلى المبارك الطبري مولى أمير المؤمنين يأمره بردّ فدك على ورثة فاطمة بنت رسول الله (ص) بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها وما فيها من الرقيق والغلات وغير ذلك وتسليمها إلى محمّد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ومحمّد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لتولية أمير المؤمنين إيّاهما القيام بها لأهلها.
فاعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين وما ألهمه الله من طاعته ووفقه له من التقرب إليه وإلى رسوله (ص) وأعلمه من قبلك وعامل محمّد بن يحيى ومحمّد بن عبد الله بما كنت تعامل به المبارك الطبري ، وأعنهما على ما فيه عمارتها ومصلحتها ووفور غلاتها إن شاء الله ، والسلام.
وكتب يوم الأربعاء لليلتين خلت من ذي القعدة سنة عشر ومأتين : فلما استخلف المتوكل على الله رحمهالله أمر بردها على ما كانت عليه قبل المأمون رحمهالله (١).
وذكر بقية الخبر ابن أبي الحديد وقال : فلم تزل في أيديهم حتّى كان أيّام المتوكل فأقطعها عبد الله بن عمر البازيار وفيها إحدى عشرة نخلة غرسها رسول الله (ص) بيده فكان بنو فاطمة يأخذون تمرها فإذا كان أقدم الحاج اهدوا لهم من ذلك التمر فيصلونهم فيصير إليهم من ذلك مال جزيل جليل فصرم عبد الله بن عمر البازيار ذلك التمر ، وجه رجلا يقال له بشران بن أبي أميّة الثقفي إلى المدينة فصرمه ثمّ عاد إلى البصرة
__________________
(١) خبر فدك في فتوح البلدان ص ٣٧ و ٣٨.