المدينة بل ينبغي أن يكون بعث المال من قبل الوالي والعامل.
ولم تكن الذهبية من الصدقات لما ثبت أنّ النبيّ لا يبعث الإمام عاملا على الصدقة. ويؤيّد ذلك ما في فقه أئمّة أهل البيت من اشتراط كون الذهب والفضّة مسكوكين لتجب فيهما الصدقة (١).
ولم تكن الذهبية من جزي أهل نجران لأنّ جزيتهم كانت محدّدة في ألفي حلّة ثمن كلّ حلّة أربعون درهما (٢). إذا فقد كانت الذهبية من خمس السيوب أو خمس أرباح المكاسب. وعلى ما ذكرنا كان النبيّ قد بعث الإمام إلى اليمن في هذه المرّة مخمّسا كما أرسل رسوليه ابيّا وعنبسة إلى سعد هذيم من قضاعة وإلى جذام مصدّقين ومخمسين (٣) ولعل غيرهم من عمّال رسول الله ممّن ذكروا في عداد المصدّقين أيضا كانوا مأمورين بأخذ الخمس بالإضافة إلى أخذ الصدقة ، وأنّهم كانوا قد أخذوا الخمس من موارده ودفعوه إلى رسول الله ، غير أنّ الخلفاء لمّا رفعوا الخمس بعد رسول الله (٤) أهمل الرواة والعلماء ذكره ، لأنّه كان يخالف سياسة الخلفاء في أدوار الخلافة الإسلامية.
وإذا أضفنا إلى ما ذكرنا ملاحظة ثروة سكان شبه الجزيرة العربية يوم ذاك ، وأنّ عامّة ثروة القبائل كانت من الأنعام وقليلا من الغرس والزرع ، وأنّ كلّ تلك كانت من موارد الصدقات ولم تكن من موارد الخمس ، وكانت المدينة عاصمة الإسلام أيضا بلدا زراعيا ، وكانت عامّة ثروة أهلها الزرع والضرع ، وأنّ التجارة كانت منحصرة بأهل مكة وبعض قبائل أهل الكتاب ، وأنّ انصراف المسلمين بالمدينة إلى الحرب ضدّ قريش واليهود وسائر القبائل العربية والّتي ناف عددها على الثمانين بين غزوة وسريّة في زهاء عشر سنوات ، أي بمعدل ثماني معارك حربيّة في كلّ سنة ؛ أدّى ذلك كلّه إلى جعل الطرق التجارية في الحجاز مجالا للإغارة والغزو والسلب بين الأطراف المتحاربة وانقطاع التجارة في تلك السنوات ، ومن أجل ذلك ندر وجود مورد ربح غير موارد الصدقات.
__________________
(١) راجع فصل زكاة النقدين في فقه الإمامية مثل مصباح الفقيه للهمداني ص ٥٣ من كتاب الزكاة.
(٢) راجع إمتاع الأسماع ص ٥٠٢.
(٣) راجع قبله ص ١٠٢ ـ ١٠٣.
(٤) كما جابهت به ابنة النبيّ أبا بكر.