فقال أبو بكر : بأبي أنت وأمّي ووالد ولدك ، السمع والطاعة لكتاب الله ولحق رسول الله وحق ابنته وأنا أقرأ من كتاب الله الّذي تقرئين منه ولم يبلغ علمي منه أنّ هذا السهم من الخمس مسلّم إليكم كاملا! قالت : أفلك هو ولاقربائك؟ قال : لا! وأنفق الباقي في مسالح المسلمين ، قالت : ليس هذا حكم الله.
وفي رواية : قال لها : حدّثني رسول الله «انّ الله تعالي يطعم النبيّ الطعمة ما كان حيّا فاذا قبضه إليه رفعت».
وفي رواية : سمعت رسول الله يقول «سهم ذوي القربى لهم في حياتي وليس لهم بعد موتي» فغضبت فاطمة وقالت : أنت وما سمعت من رسول الله أعلم ، ما أنا بسائلتك بعد مجلسي. والله لا أكلّمكما أبدا ، فماتت وما تكلّمهما.
* * *
* لمّا أدلت فاطمة بكل ما لديها من دليل وشهود وأبى أبو بكر أن يردّ إليها شيئا ممّا أخذ ، رأت أن تبسط الخصومة على ملأ من المسلمين وتستنصر أصحاب أبيها وتشركهم في المسئولية فذهبت إلى مسجد أبيها في لمّة من حفدتها ما تخرم مشيتها مشية الرسول حتّى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار فنيطت دونها ملاءة فخطبت فيهم وقالت في خطبتها :
أيّها الناس أنا فاطمة وأبي محمّد (ص) أقولها عودا على بدء (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ...) الآية ثم قالت في كلامها :
أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول الله (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) وقال تعالى في ما قصّ من خبر يحيى بن زكريا ربّ (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) وقال عزّ ذكره (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) وقال (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وقال (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) وزعمتم أن لا حقّ ولا إرث لي من أبي ولا رحم بيننا ، أفخصّكم الله بآية أخرج نبيّه (ص) منها أم تقولون أهل ملّتين لا يتوارثون؟ أو لست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة؟ لعلّكم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من النبيّ (ص) أفحكم الجاهلية تبغون؟ ...
ثمّ عادت فاطمة إلى بيتها وهجرت أبا بكر ولم تزل مهاجرته حتّى توفيّت وعاشت بعد النبيّ ستة أشهر فلمّا توفيّت دفنها زوجها عليّ ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر.