شرح الرواية : روى النووي في شرح مسلم أنّ العلماء قالوا في شرح الرواية الآنفة :
«ويجعلون المحرّم صفر» المراد الإخبار عن النسيء الذي كانوا يفعلونه ، وكانوا يسمّون المحرّم صفرا ويحلّونه وينسئون المحرّم أي يؤخّرون تحريمه إلى ما بعد صفر ، لئلّا يتوالى بينهم ثلاثة أشهر محرّمة تضيق عليهم أمورهم من الغارة وغيرها.
و «إذا برأ الدبر» أي برأ ما كان يحصل بظهور الإبل من الحمل عليها ومشقّة السفر فإنّه كان يبرأ بعد انصرافهم من الحجّ.
و «عفا الأثر» أي اندرس أثر الإبل وغيره في سيرها.
وقال ابن حجر في تعليل هذا الأمر : وجه تعلّق جواز الاعتماد بانسلاخ صفر مع كونه ليس من أشهر الحجّ ، وكذلك المحرّم أنّهم لمّا جعلوا المحرّم صفرا ولا يبرأ دبر إبلهم إلّا عند انسلاخه ، ألحقوه بأشهر الحجّ على طريق التبعية ، وجعلوا أوّل أشهر الاعتماد شهر المحرّم الّذي هو في الأصل صفر ، والعمرة عندهم في غير أشهر الحجّ (١).
كان هذا دأب قريش وسنّتهم في العمرة وقد خالفهم الرسول في ذلك كما يلي بيانه :
سنّة الرسول (ص) في العمرة
قال ابن القيم : اعتمر رسول الله (ص) بعد الهجرة أربع عمر كلّهن في ذي القعدة ، وأيّد ذلك بما رواه عن أنس وابن عباس وعائشة وفي لفظ الأخيرين : «لم يعتمر رسول الله (ص) إلّا في ذي القعدة» (٢).
قال ابن القيم : «والمقصود أنّ عمره كلّها كانت في أشهر الحجّ مخالفة لهدي المشركين ، فإنّهم كانوا يكرهون العمرة في أشهر الحجّ ، ويقولون هي من أفجر الفجور. وهذا دليل على أنّ الاعتمار في أشهر الحجّ أفضل منه في رجب بلا شكّ.»
وقال : لم يكن الله ليختار لنبيّه (ص) في عمره إلّا أولى الأوقات وأحقّها بها
__________________
(١) راجع شرح الحديث بشرح النووي على مسلم وشرح ابن حجر بفتح الباري.
(٢) زاد المعاد ١ / ٢٠٩ فصل في هديه (ع) في حجه وعمره. وتفصيل الروايات بصحيح البخاري ١ / ٢١٢ باب كم اعتمر النبي ، وبصحيح مسلم باب بيان عمر النبي (ص) وزمانهن من كتاب الحج الحديث ٢١٧ ـ ٢٢٠ ص ٩١٦ ـ ٩١٧ ، والبيهقي بسننه الكبرى ٤ / ٣٥٧ باب من استحبّ الإحرام بالعمرة من الجعرانة ، وفي ٥ / ١٠ ـ ١٢ منه وابن كثير ٥ / ١٠٩.