فكانت العمرة في أشهر الحجّ نظير وقوع الحجّ في أشهره ، وهذه الأشهر قد خصّها الله تعالى بهذه العبادة ، وجعلها وقتا لها ، والعمرة حجّ أصغر ، فأولى الأزمنة بها أشهر الحجّ ، وذو القعدة أوسطها ، وهذا ممّا «نتخار الله (١)» فيه ، فمن كان عنده فضل علم فليرشد إليه(٢).
* * *
بعد إيراد سنّة المشركين في العمرة وسنّة الرسول فيها نعود إلى البحث عن متعة الحجّ في الكتاب والسنّة ثمّ نذكر كيفية اجتهاد الخلفاء فيها في ما يلي :
متعة الحجّ في الكتاب
شرّع الله الجمع بين العمرة والحجّ في أشهر الحجّ والتّمتّع بالحلّ بينهما خلافا لسنن المشركين وقال في كتابه الكريم :
(فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) البقرة / ١٩٦.
في هذه الآية شرّع الله سبحانه التّمتّع بالعمرة إلى الحجّ لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام وأمن ، وبيّن في الآية الّتي تليها بقوله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) أنّ الجمع بين العمرة والحجّ يجب أن يقع في أشهر الحجّ. نصّت الآيتان بكلّ جلاء ووضوح على هذا الحكم ، وإلى هذا أشار الصحابيّ عمران بن الحصين حسب رواية البخاري في صحيحه عنه : حيث قال :
أنزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله (ص) ولم ينزل قرآن يحرّمه (٣) ولم ينه عنها حتى مات ... الحديث (٤).
ولفظ مسلم قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله (يعني متعة الحجّ) وأمرنا بها رسول الله (ص) ، ثمّ لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحجّ ، ولم ينه عنها رسول الله حتى مات ... الحديث (٥).
__________________
(١) هكذا في النسخة ولعل الصواب تختار.
(٢) زاد المعاد ١ / ٢١١ ، وراجع ص ٢٢٣ منه ، وسنن البيهقي ٤ / ٣٤٥ ، باب العمرة في أشهر الحج.
(٣) بهذا اللفظ ورد النصّ في البخاري ، والأولى أن يقول : (يحرمها) لعودة الضمير على المتعة وهي مؤنثة لفظا.
(٤) تفسير الآية بصحيح البخاري ٣ / ٧١ ، وسنن البيهقي ٥ / ١٩.
(٥) الحديث ١٧٢ باب جواز التمتع من صحيح مسلم ص ٩٠٠ ، وتفسير القرطبي ٢ / ٣٣٨ ، وزاد المعاد ـ