بذلك أمر أهل الشرك ، فإنّ هذا الحيّ من قريش ومن دان دينهم كانوا يقولون : إذا عفا الأثر وبرأ الدبر ودخل صفر حلّت العمرة لمن اعتمر وكانوا يحرّمون العمرة حتّى ينسلخ ذو الحجّة ومحرّم.
وفي لفظ الطّحاوي : والله ما أعمر رسول الله (ص) عائشة في ذي الحجّة إلّا ليقطع بذلك أمر الجاهليّة (١).
* * *
وقع كلّ ما ذكرنا من أمر التمتع بالعمرة إلى الحجّ في حجّة الوداع وفي آخر سنة من حياة النبيّ ، ويبدو أنّ الممتنعين من التمتّع بالعمرة إلى الحجّ الّذين تعاظم عليهم ذلك كانوا من مهاجرة قريش من أصحاب النبي ويدلّ على ذلك :
أوّلا : ما رواه ابن عبّاس في حديثه «أن هذا الحيّ من قريش ومن دان دينهم كانوا يحرّمون العمرة حتّى ينسلخ ذو الحجّة ومحرّم» (٢).
ثانيا : إنّ الّذين منعوه بعد رسول الله ـ أيضا ـ هم ولاة المسلمين من قريش كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
وكانوا يقصدون من وراء ذلك احترام الحجّ على حدّ زعمهم وأن يأتي الناس إلى مكّة مرّتين : مرّة للحجّ ومرّة للعمرة لما فيه ربيع قريش من سكّان مكّة كما يفهم هذا من حديث للخليفة عمر حين نهى عن التمتع بالعمرة (٣).
على عهد أبي بكر
حرّمت قريش في العصر الجاهلي الجمع بين الحجّ والعمرة في أشهر الحجّ ورأته من أفجر الفجور ، وشرّعه الإسلام وسنّه الرسول فلم ير من ولي من قريش بعد الرسول العمل بذلك ، فأفردوا الحجّ عن العمرة وأوّل من ذكروا أنّه أفرد الحجّ هو الخليفة القرشيّ أبو بكر حسب ما روى البيهقي في سننه عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال :
__________________
(١) سنن أبي داود ، باب العمرة ٢ / ٢٠٤ ، ومسند أحمد ١ / ١٦١ الحديث ٢٣٦١ ، والسنن الكبرى للبيهقي ٤ / ٣٤٥ باب العمرة في أشهر الحج ، وراجع مشكل الآثار للطحاوي ج ٣ / ١٥٥ و ١٥٦.
(٢) راجع قبله حديث البيهقي في فصل : عائشة فاتتها العمرة.
(٣) راجع في ما يأتي رواية كنز العمال وحلية الأولياء في باب : على عهد عمر.