وفي موطّأ مالك ، عن جعفر بن محمّد عن أبيه أنّ المقداد بن الأسود دخل على عليّ بن أبي طالب بالسقيا وهو ينجع بكرات له دقيقا وخبطا فقال : هذا عثمان بن عفّان ينهى عن أن يقرن بين الحجّ والعمرة. فخرج علي بن أبي طالب وعلى يديه أثر الدقيق والخبط فما أنسى أثر الدقيق والخبط على ذراعيه حتّى دخل على عثمان بن عفّان فقال : أنت تنهى عن أن يقرن بين الحجّ والعمرة؟ فقال عثمان ذلك رأيي فخرج عليّ مغضبا وهو يقول : لبّيك اللهم لبيك بحجّة وعمرة معا (١).
وفي سنن النسائي ومستدرك الصحيحين ومسند أحمد واللفظ للأوّل عن سعيد ابن المسيّب ، قال : حجّ علي وعثمان فلمّا كنّا ببعض الطريق نهى عثمان عن التّمتّع فقال عليّ اذا رأيتموه ارتحل فارتحلوا ، فلبّى عليّ وأصحابه بالعمرة فلم ينههم عثمان ، فقال عليّ : ألم أخبر أنّك تنهى عن التمتّع؟ قال : بلى ، قال له عليّ : فلم تسمع رسول الله (ص) تمتّع؟ قال : بلى! (٢)
قال الإمام السندي بهامشه : قوله : «إذا رأيتموه قد ارتحل فارتحلوا» أي ارتحلوا معه ملبّين بالعمرة ليعلم أنّكم قدّمتم السنّة على قوله وإنّه لا طاعة له في مقابلة السنّة(٣).
وأخرجه أحمد بلفظ آخر هذا نصّه : حجّ عثمان حتّى إذا كان في بعض الطريق أخبر عليّ أنّ عثمان نهى أصحابه عن التمتع بالعمرة والحجّ ، فقال علي لأصحابه إذا راح فروحوا ، فأهلّ عليّ وأصحابه بعمرة ، فلم يكلّمهم عثمان ، فقال علي ألم أخبر أنّك نهيت عن التمتّع؟ ألم يتمتّع رسول الله (ص)؟ قال : فما أدري ما أجابه عثمان (٤).
في الروايات الآنفة نرى من الخليفة في شأن عمرة التمتع لينا وتسامحا وفي غيرها أبدى غلظة وشدّة في شأنها مثل الروايات التالية :
في صحيح مسلم ومسند أحمد وسنن البيهقي وغيرها واللفظ للأوّل ، عن شعبة عن قتادة عن عبد الله بن شقيق ، قال : كان عثمان ينهى عن المتعة وكان عليّ يأمر
__________________
(١) موطأ مالك ، الحديث ٤٠ من باب القران في الحج ص ٣٣٦ ، وابن كثير ٥ / ١٢٩ ، و «السقيا» قرية جامعة بطريق مكّة ، و «ينجع» يسقي ، و «بكرات» جمع بكرة ولد الناقة أو الفتى منها ، والخبط ورق ينفض بالمخابط ويخلط بدقيق وغيره ويوخف بالماء ويسقى للإبل.
(٢) سنن النسائي ٢ / ١٥ كتاب الحج ، باب التمتع ، ومسند أحمد ١ / ٥٧ ، الحديث ٤٠٢ بمسند عثمان ، ومستدرك الصحيحين ١ / ٤٧٢ ، وتاريخ ابن كثير ٥ / ١٢٦ و ١٢٩.
(٣) الإمام السندي هو أبو الحسن محمّد بن عبد الهادي الحنفي نزيل المدينة المنورة (ت ١١٣٨ ه).
(٤) مسند أحمد ١ / ٦٠ ، الحديث ٤٢٤.