وروى عنه أيضا خلاف هذا الموقف (١) ولعلّ سبب اختلاف فتاويه في العمرة اختلاف أزمنة الفتاوى والروايات عنه كما لو كان السؤال منه على عهد أبيه ، أو على عهد عثمان مثلا. فينبغي أن يكون الجواب موافقا لموقف الخلافة الراشدة. أمّا في عصر ابن الزبير ومناهضة الخلافة الأمويّة له ، فكان يسهل مخالفته.
وبهذا تيسّر وقوع الخلاف الشديد حول عمرة التمتع في هذا العصر ووقع فكان منهم من ينهى عنها وهم عصبة الخلافة ، ومنهم من يحبذها ويخبر عن أمر الرسول بها وهم بعض من بقى من أصحاب الرسول مثل جابر بن عبد الله الأنصاري الّذي كان يخبر عن سنة الرسول في ذلك كما رواه مسلم في صحيحه عن أبي نضرة ، قال : كنت عند جابر فأتاه آت فقال : إنّ ابن عبّاس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ، فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما (٢).
وبقي هذا الخلاف بين أتباع الطرفين مدّة من الزمن. ومن مظاهر ذلك الخلاف ما روي عن موسى بن نافع الأسدي أنّه قال : قدمت مكّة وأنا متمتّع بعمرة فدخلت قبل التروية بثلاثة أيّام فقال لي ناس من أهل مكّة : تصير حجّتك مكّيّة فدخلت على عطاء بن أبي رباح أستفتيه ، فقال : حدّثني جابر بن عبد الله انّه حجّ مع رسول الله (ص) يوم ساق البدن وقد أهلّوا بالحجّ مفردا فقال لهم رسول الله (ص) : «أحلّوا من إحرامكم بالطواف بالبيت وبين الصفا والمروة واقصروا وانتم حلال فاذا كان يوم التروية فأهلّوا بالحجّ واجعلوا الّتي قدمتم بها متعة» قالوا : كيف نجعلها متعة وقد سمّينا الحجّ ، فقال «افعلوا ما أمرتكم فلو لا أنّي سقت الهدي لفعلت مثل الّذي أمرتكم به ولكنّي لا يحلّ منّي حرام حتّى يبلغ الهدي محلّه» ففعلوا (٣).
وفي عصر ابن الزبير ـ أيضا ـ ظهرت أمارات انتصار من أحيا سنّة الرسول وتعلّقت قلوب الناس بعمرة التمتع حسب ما يظهر من روايات مسلم في صحيحه مثل الرواية الآتية :
__________________
(١) سنن البيهقي ٤ / ٥.
(٢) صحيح مسلم ، الحديث ١٢٤٩ ص ٩١٤.
(٣) سنن البيهقي ٤ / ٣٥٦ باب المتمتع بالعمرة إلى الحج إذا أقام بمكة حتى ينشئ الحج إن شاء من مكة لأمن الميقات. وصحيح مسلم ، ص ٨٨٤ ، الحديث ١٤٣ : وتصير الآن حجتك مكية لإنشائك إحرامها من مكة فتفوتك فضيلة الإحرام من الميقات فيقل ثوابك بقلة مشقتك.