ويزول هذا التخوّف في عصر بني العبّاس وينتشر القول بعمرة التمتّع على عهدهم ولعلّ لموقف جدّهم عبد الله بن العبّاس دخلا في ذلك ، وعلى عهدهم يتبنّى أحمد بن حنبل القول بعمرة التمتّع ومن الطبيعي أن يستمرّ ذلك في أتباع مدرسته.
ويشهد لذلك قول ابن القيّم : وقد روى هذا ـ أي حجّ التمتّع ـ عن النبيّ من سمّينا وغيرهم ، وروى ذلك عنهم طوائف من كبار التابعين ، حتّى صار منقولا نقلا يرفع الشكّ ويوجب اليقين ، ولا يمكن أحدا أن ينكره أو يقول : لم يقع وهو مذهب أهل بيت رسول الله (ص) ، ومذهب حبر الأمّة وبحرها ابن عبّاس وأصحابه ومذهب أبي موسى الأشعريّ ومذهب إمام أهل السنّة والحديث أحمد بن حنبل وأتباعه ومذهب أهل الحديث معه (١).
وهكذا يزول الحرج عن المسلمين في اتّباع سنّة الرسول بعد ذلك إلى يومنا الحاضر.
الأحاديث الّتي وضعت في سبيل تبرير موقف الخلفاء :
إلى هنا استعرضنا الجهود الّتي بذلها الرسول في سبيل إماتة سنّة الجاهلية في شأن عمرة التمتّع ، ثمّ الجهود التي بذلتها مدرسة الخلفاء في سبيل إحياء تلك السنّة ، وكذلك الجهود الّتي بذلتها مدرسة أئمة أهل البيت في سبيل إماتة سنّة الجاهلية وإحياء سنّة الرسول ، وكيف شغف الناس بعدئذ بعمرة التمتع ، ونختم هذا البحث باستعراض الجهود التي بذلك في سبيل تبرير موقف الخلفاء من عمرة التمتع والدفاع عنهم مثل الأحاديث الآتية التي وضعت في هذا السبيل :
١ ـ روى مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي وغيرهم عن القاسم ابن محمّد بن أبي بكر عن أمّ المؤمنين عائشة أنّها ، قالت : إنّ رسول الله أفرد الحجّ (٢).
__________________
ـ الصحاح ، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة. التقريب ٢ / ٢٧٧. والحسن بن أبي الحسن يسار البصري مولى الأنصار كان يرسل كثيرا ويدلس ، رأس الطبقة الثالثة (ت ١١٠ ه) وقد قارب التسعين ، أخرج حديثه أصحاب الصحاح. تقريب التهذيب ١ / ١٦٥. وعطاء بن أبي رباح أسلم ، مولى قريش ، (ت ١١٤ ه) روى حديثه جميع أصحاب الصحاح ، تقريب التهذيب ٢ / ٢٢.
(١) زاد المعاد ١ / ٢٤٩ كان مذهب أبي موسى التمتع بالعمرة إلى الحج ويفتي به من قبل أن يسمع من الخليفة ما أحدثه في شأن النسك ، ومن بعد ذلك تابعه على رأيه.
(٢) صحيح مسلم ، ح ١٢٢ ص ٨٧٥ ، وسنن أبي داود ٢ / ١٥٢ ح ١٧٧٧ ، وسنن النسائي ٢ / ١٣ باب إفراد الحجّ ص ٩٨٨ ح ٢٩٦٤ ، والترمذي ٤ / ٣٦ باب ما جاء في إفراد الحج ، والبيهقي ٥ / ٣ باب من اختار ـ