قال المؤلف : قصد إمام الحنابلة من رواية أحد عشر صحابيا الفسخ : روايتهم فسخ الإحرام ، والتمتّع بالحلّ بين العمرة والحجّ. ولعلّه قصد من عدم معرفته للحارث عدم معرفته بالوثاقة.
وعلق أيضا ابن حنبل على حديث أبي ذر وقال : رحم الله أبا ذر هي في كتاب الرحمن «فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ» (١) قصد إمام الحنابلة إنّ الآية تفيد أنّ الحكم عامّ ولا يخص ناسا دون آخرين فكيف خالف أبو ذر بقوله الآية الكريمة وفاته أن الرواية وضعت على أبي ذر كما وضعت الروايات الأخرى على غيره.
وكما نسب إلى رسول الله (ص) أنّه أفرد الحجّ ، وإلى الإمام عليّ أنّه قال لابنه محمّد : يا بنيّ أفرد الحجّ مع ما رأينا في ما سبق من مخالفته للخليفة عثمان ، وكذلك ما روى عن سعيد بن المسيّب أنّ رجلا من أصحاب رسول الله أتى عمر وشهد عنده أنّه سمع رسول الله في مرضه ينهى عن العمرة قبل الحجّ ، ولست أدري من هو هذا الصحابي وكيف لم يستشهد عمر بقول هذا الصحابي في عصره ، ولا استشهد به عثمان ولا معاوية ولا ابنا الزبير ولا غيرهم؟
كلّ هذه الأحاديث وغيرها وضعت متأخّرا وفي سبيل تبرير موقف الخلفاء من تحريمهم متعة الحجّ وما أجود ما قاله في هذا المقام كلّ من ابن القيم في كتابه زاد المعاد وابن حزم في المحلّى ، قال ابن القيم : ونحن نشهد الله علينا أنّا لو أحرمنا بحجّ لرأينا فرضا علينا فسخه إلى عمرة تفاديا من غضب رسول الله (ص) واتّباعا لأمره ، فو الله ما نسخ هذا في حياته ولا بعده ولا صحّ حرف واحد يعارضه ، ولا خصّ به أصحابه دون من بعدهم ، بل أجرى الله سبحانه على لسان سراقة أن يسأله هل ذلك مختصّ بهم؟ فأجاب «بأن ذلك كائن لأبد الأبد» فما ندري ما نقدّم على هذه الأحاديث ، وهذا الأمر المؤكّد الذي غضب رسول الله (ص) على من خالفه.
ولله درّ الإمام أحمد (ره) إذ يقول لسلمة بن شبيب وقد قال له : يا أبا عبد الله كلّ أمرك عندي حسن إلّا خلّة واحدة ، قال : وما هي؟ قال : تقول بفسخ الحجّ إلى العمرة ، فقال : يا سلمة! كنت أرى لك عقلا ، عندي في ذلك أحد عشر حديثا صحاحا عن رسول الله (ص) أأتركها لقولك؟! (٢).
__________________
(١) المنتقى من أخبار المصطفى لابن تيمية ١ / ٢٣٩ بهامش ح ٣٤٣١
(٢) راد المعاد ٢ / ٢٤٧ فصل في إحلال من لم يكن ساق الهدي معه. والمحلى لابن حزم ٧ / ١٠٠ ـ ١١٠.