تفضيل الإفراد ثمّ التّمتّع ثمّ القران ، وأمّا حجّة النبي (ص) فاختلفوا فيها هل كان مفردا أم متمتّعا أم قارنا وهي ثلاثة أقوال للعلماء بحسب مذاهبهم السابقة وكلّ طائفة رجّحت نوعا وادّعت أنّ حجّة النبيّ (ص) كانت كذلك.
إلى قوله : ومن دلائل ترجيح الإفراد أنّ الخلفاء الراشدين (رض) بعد النبي (ص) أفردوا الحجّ (١) وواظبوا على إفراده ، كذلك فعل أبو بكر وعمر وعثمان (رض) واختلف فعل علي (رض) (٢) ، ولو لم يكن الإفراد أفضل وعلموا أنّ النبيّ (ص) حجّ مفردا لم يواظبوا عليه مع أنّهم الأئمّة الأعلام وقادة الإسلام ويقتدي بهم في عصرهم وبعدهم ، وكيف يليق بهم المواظبة على خلاف فعل رسول الله (ص) وأمّا الخلاف عن علي (رض) وغيره فإنّما فعلوه لبيان الجواز (٣). وقد ثبت في الصحيح ما يوضح ذلك ، ومنها ـ أي من دلائل ترجيح الإفراد ـ أنّ الإفراد لا يجب فيه دم بالإجماع وذلك لكماله ويجب الدم في المتمتّع والقران وهو دم جبران لفوات الميقات وغيره فكان ما لا يحتاج إلى جبر أفضل.
ومنها أنّ الأمّة أجمعت على جواز الإفراد من غير كراهة (٤) ، وكره عمر وعثمان وغيرهما التّمتّع والقران فكان الإفراد أفضل والله أعلم. فإن قيل : كيف وقع الاختلاف بين الصحابة (رض) في صفة حجّته (ص) وهي حجّة واحدة ، وكلّ واحد منهم يخبر عن مشاهدة في قضيّة واحدة؟ (٥)
قال القاضي عياض : قد أكثر الناس الكلام على هذه الأحاديث فمن مجيد منصف ، ومن مقصّر متكلّف ، ومن مطيل مكثر ومن مقتصر مختصر قال : وأوسعهم في
__________________
(١) الواقع الحقّ أن العلماء استندوا إلى فعل الخلفاء المذكور وأوّلوا ما خالفه من نص الكتاب وفعل الرسول وقوله ـ السنّة ـ تبريرا منهم لفعل الخلفاء كما أشرنا إليه.
(٢) إن كان قصده من اختلاف فعل الإمام عليّ ، اختلاف فعله مع أفعال الخلفاء في هذا المقام كما يظهر ذلك من قوله في ما يأتي فهو صحيح. وإن كان قصده أن الإمام اختلفت أفعاله بعضه مع بعض فهو كذب وافتراء على الإمام.
(٣) قد صرح الإمام أنّه خالفهم لإحياء سنة الرسول التي منعوا أقامتها راجع قبله على عهد عثمان.
(٤) وقد خالف أبناء الأمّة هؤلاء ، رسول الله حيث غضب في حجّة الوداع على من تردد في فسخ الإفراد الى التمتع وخالفهم أئمة أهل البيت تبعا لرسول الله وخالفهم أتباع مدرسة أهل البيت وغير هؤلاء ممن رضي بسنة الرسول إذا فالامة لم تجمع على ذلك.
(٥) إنما نشأ هذا الاختلاف بعد مخالفة الخلفاء لسنة الرسول حيث روى بعضهم أحاديث خلافا للواقع تبريرا لعمل الخلفاء.